العلاقات الثنائية بين الهند والمملكة العربية السعودية هي -حقا- علاقات تاريخية، يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام. امتدت بين أراضي البلدين من العصور الوسطى عندما كان الرحالة العرب في سلسلة الإمداد الرئيسي لكل من الحرير، والزعفران، والتوابل، والقطن، وغيرها بين الهند وأوروبا من خلال طريق الحرير قبل أكثر من 1000 سنة في التاريخ. و أقيمت العلاقات الدبلوماسية عند استقلال الهند في عام 1947 وتعززت بشكل كبير نظرا للتعاون في الشؤون الإقليمية والتجارية. ومنذ 1990، ساعد التحرر الاقتصادي الهندي في تعزيز التجارة مع المملكة العربية السعودية، والتي تزوّد الهند سنويا ما يقرب من 175 مليون برميل يوميا (25 مليون طن مترياً) من النفط الخام، أو الخُمس من مجموع احتياجاتها. واليوم تعتبر الهند خامس أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية. وحجم التجارة الثنائية خلال السنة المالية 2007-2008 كان 23.11 مليار دولار أمريكي. وخلال الفترة من أبريل 2008 - يناير 2009، بلغ إلى 20.75 مليار دولار أمريكي. إن المملكة العربية السعودية هي خامس عشر أكبر سوق في العالم بالنسبة لصادرات الهند، وهي الجهة المقصودة لأكثر من 2.28 ٪ من صادرات الهند العالمية. من ناحية أخرى، فالمملكة العربية السعودية هي مصدر ل 7.72 ٪ من واردات الهند العالمية. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية فتعتبر الهند خامس أكبر سوق لصادراتها، وتمثل 4.15٪ (2008) من صادراتها العالمية. ومن حيث المستوردات للمملكة العربية السعودية تصنّف الهند تاسعاً وتشكل حوالي 3.41% من إجمالي الواردات للمملكة العربية السعودية. بينما ارتفع حجم التجارة الثنائية إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، كما زادت صادرات الهند من المنتجات غير النفطية خلال نفس الفترة ثلاثة أضعاف من 1.08 بليون دولار أمريكي إلى 3.70 بليون دولار أمريكي. إن الواردات الرئيسية الهندية من المملكة هي النفط والمنتجات البتروكيماوية. والصادرات الرئيسية الهندية تشمل كاثودات وأقسام كاثودات من النحاس المصقول، والبنزين، وأرصفة عائمة، والأرز البسمتي او غير البسمتي، وخط أنابيب للنفط والغاز، واللحوم، والضواغط المستخدمة في معدات التبريد، والشاي، والغزل اليدوي، والأقمشة، وغزول القطن، والحديد والصلب الأولي ونصف المنجز، والكيماويات والبلاستيك ومنتجات مشمع، والآلات والأدوات والفاكهة والمكسرات ومنتجات اللحوم، الخ. ومما لا ريب فيه أن العلاقات الاقتصادية الثنائية أحرزت زخماً جديداً عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود بزيارة تاريخية الى الهند في يناير 2006، ليصبح بذلك أول عاهل سعودي منذ 51 عاما يزور الهند. وقد وقّع العاهل السعودي ورئيس الوزراء الهندي الدكتور مانموهان سنغ "إعلان دلهي" التاريخي، والذي يتوخى إستراتيجية شراكة الطاقة في جملة الأمور. وينص الاتفاق على "زيادة إمدادات النفط الخام الى الهند بصورة موثوقة ومستقرة من خلال عقود طويلة الأجل." كما اتفق البلدان على إقامة مشاريع مشتركة وتنمية النفط والغاز الطبيعي في القطاعين العام والخاص. ووصف الإعلان المشترك بين الهند والمملكة زيارة خادم الحرمين الشريفين بأنه "تبشير بعهد جديد في العلاقات بين الهند والمملكة". وقد رسم "إعلان دلهي" خارطة الطريق المنشود لكلا البلدين للمضي قدما ويوفر أيضا إطارا مؤسسيا للمشاريع المشتركة والتعاونية والاستثمارات. وبالتوقيع على اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAC)، والاتفاقية الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمارات (BIPPA)، فالاستثمارات هي في الارتفاع. وتستفيد الشركات الهندية من الفرص الاستثمارية الضخمة في المملكة العربية السعودية. وقامت الهيئة العامة للاستثمار للمملكة العربية السعودية، حتى الآن، بمنح 565 رخصة (بما في ذلك 225 الصناعية وغير الصناعية 340) للشركات الهندية لإقامة المشاريع المشتركة أو الشركات التي تملكها الشركات الهندية مائة بالمائة في المملكة العربية السعودية في مختلف القطاعات الاقتصادية. ومجموع الاستثمار الأجنبي المباشر الهندي في المملكة العربية السعودية من عام 1990 وحتى عام 2008 قد وصل 9336.35 مليون ريال سعودي و 7830.60 مليون ريال سعودي للمشاريع الصناعية و 1505.75 ملايين ريال سعودي للمشاريع غير الصناعية. وهذه التراخيص للمشاريع في قطاعات مختلفة مثل الإدارة والخدمات الاستشارية، ومشاريع البناء، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتكنولوجيا المعلومات، والمستحضرات الصيدلانية، الخ. إضافة إلى ذلك هنالك عدة شركات هندية أنشأت علاقات التعاون مع الشركات السعودية وتعمل في المملكة في مجالات التصميم والاستشارات والخدمات المالية وتطوير البرمجيات. وقد قامت المملكة العربية السعودية باستثمار 15.97 مليون دولار أمريكي في الهند خلال عام 2009. إن العلاقات الهندية السعودية الاقتصادية الثنائية في ارتفاع وخاصة مع خصخصة وتنويع الاقتصاد السعودي حاليا، حيث تقدم المملكة العربية السعودية فرصا لا تعد ولا تحصى بالنسبة للشركات والمستثمرين الهنود. والهند في وضع جيد لجني الفوائد من هذه الفرص، نظرا لخبرتها، ولا سيما في المجالات الرئيسية مثل البناء، وتكنولوجيا المعلومات، والصلب والألمنيوم، والصناعات. وتنمو صناعة البناء بمعدل هائل بعد قيام الحكومة السعودية بإنفاق مبالغ ضخمة على مختلف مشاريع البناء، في قطاع تكنولوجيا المعلومات. ويجري إنشاء البنية التحتية الجديدة في المملكة والتي ستولد مزيداً من الفرص للكيانات التجارية الجديدة ، وأيضاً للبناء التحتي وقطاع صناعة الأجهزة، بفضل التكاليف المنخفضة للطاقة في المملكة، ستكون تكلفة تصنيع منتجات الصلب والألمونيوم منافسة لشركات هندية. يقدم قطاع البترول والبتروكيماويات للمملكة العديد من الفرص لشركات النفط الهندية، وخاصة في قطاع التكرير والتسويق، حيث يمكن للشركات الهندية استكشاف الإمكانيات للاستثمارات والمشاريع المشتركة مع الشركات السعودية في بلدان ثالثة. وأن الشركات الهندية مستعدة بشكل جيد للمشاركة في هذا القطاع،لاسيما في التشغيل وتحديث وصيانة معامل التكرير، وتنفيذ مشاريع خطوط الأنابيب من مرحلة التصور إلى بدء العمل، وتشغيل وصيانة خطوط الأنابيب، ودراسات الجدوى، وتقنية ومراجعة وسلامة الحسابات، والتدريب والخدمات الاستشارية. ومجال آخر، تبدو فيه الخبرة الهندية وثيقة الصلة، هو قطاع الصحة، حيث يوجد فيه فرص هائلة والشركات الهندية في وضع جيد لبناء المستشفيات الجديدة، والمستشفيات المتخصصة والعيادات لتقديم الخدمات الإدارية. والتوجه الجديد للمجال والذي قد حددته سفارة الهند للمشاركة الهندية النشطة هو في قطاع الصناعات الدوائية، والمملكة العربية السعودية هي أكبر سوق للأدوية في منطقة الخليج وينمو بنحو 18.5٪ سنويا. وحجم السوق السعودية يقدر بنحو 1.5 مليار دولار. إن المملكة العربية السعودية هي أيضا أكبر مستهلك للمنتجات الدوائية في منطقة الخليج. وترى الهند ميزتها لدخول هذه السوق، نظرا لجودة المنتجات والمواد الخام والخبرة العلمية لها. وتستورد المملكة العربية السعودية معظم احتياجاتها من المواد الغذائية، 65 ٪ من احتياجاتها من الأرز طويل الحبة ذي الجودة العالية من الهند. كما أن المملكة هي الدولة المستوردة الرئيسية للحوم المبردة من الهند. وعلى كل حال يوجد هناك مجال لزيادة حصة الهند في هذه السوق. وقد تم رفع الحظر المفروض على المنتجات البحرية من الهند وجلبت فرصة جيدة للشركات البحرية الهندية لدخول هذا السوق الكبير. ويعد سوق الذهب في المملكة حيوياً بشكل كبير مع نشاط تصنيعي يسيطر عليه عدد قليل من الشركات. والمستوى العالي لاستهلاك الذهب في المملكة يعكس الاتجاهات الثقافية جنبا إلى جنب مع ارتفاع القوة الشرائية. ونظرا للخبرة وسمعة الصناعة الهندية للمجوهرات، فمن المعروف جيدا أن الهند على الاستعداد لدخول هذه السوق بشكل كبير. إن التعدين هو مجال جديد يوفر إمكانات هائلة. والشركات الهندية تبحث عن الفرص باهتمام بالغ، نظرا لأن المملكة العربية السعودية لديها أكبر احتياطي من الفوسفات ، وهذا القطاع يعد مجالا جيدا لشركات التعدين الهندية. كما أن إنشاء سلاسل الفنادق الكبيرة ذات 5 و4 النجوم في المملكة هي أيضاً مشاريع استثمارية جذابة للشركات الهندية. إن الهند والمملكة على حد سواء من البلدان النامية وهي في حاجة إلى تدفق الاستثمار المشتركة في البنية التحتية والتنمية. والهند حريصة كل الحرص على المشاركة في المشاريع الضخمة في المملكة العربية السعودية بما في ذلك المدن الاقتصادية الجديدة التي يتم تطويرها في رابغ وحائل وجازان وتبوك، إلى جانب مدينة المعرفة الاقتصادية في المدينةالمنورة، ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في الرياض. كما يمكن للشركات الهندية المشاركة في مشاريع مختلفة في مجالات السكك الحديدية وبناء الطرق ومعالجة المياه، وإنشاء الصناعات الدوائية والعقارات والصناعات الكيميائية. ومن ناحية أخرى، تحتاج الهند الاستثمارات السعودية في قطاع البنية التحتية. وسوف ترتفع الاستثمارات السعودية في الهند بشكل ملحوظ في السنوات القادمة حيث يخطط كل من صندوق الاستثمارات العامة، ووزارة المالية السعودية ومؤسسة تمويل تنمية البنية التحتية للهند لإقامة صندوق للاستثمار بمبلغ وقدره 750 مليون دولار للاستثمارات في مختلف مشاريع البنية التحتية في الهند. علما بأن الصندوق سيدخل حيز العمليات في وقت قريب جدا. وخلال اجتماع اللجنة الهندية السعودية المشتركة التي اختتمت مؤخراً في الرياض، أكد كلا البلدين على الحاجة إلى زيادة الاستثمارات في مجالات التعدين والأسمدة والنقل والصناعات المبنية على المعرفة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية في المملكة العربية السعودية، والاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الأخرى في الهند. وفي اجتماع اللجنة الهندية السعودية المشتركة، وافق الجانبان على زيادة التبادلات التجارية، واتخاذ التدابير اللازمة لتنظيم المعارض التجارية والزيارات المتبادلة المنتظمة للوفود التجارية، وتفعيل دور مجلس الأعمال المشتركة بين المملكة والهند لتعزيز العلاقات والتفاعل بين الغرفة التجارية في كلا البلدين. واتفق الجانبان ايضاً على تبادل الخبراء، وعقد برامج التدريب، والتعاون في مجال حماية المستهلك، ومكافحة الغش التجاري، وحماية العلامات التجارية. ان العلاقات الثنائية التي شهدت تغييرا نوعيا تصاعديا قد عززت من حقيقة أن المملكة العربية السعودية والهند لديهما عدد من الآليات المنظمة والمؤسساتية للتعاون الاقتصادي الثنائي. وهذه الآليات تشمل مجلس الأعمال الهندية – السعودية المشتركة، واجتماعات اللجنة الهندية-السعودية المشتركة، وإعلان دلهي، واتفاقية حماية الاستثمارات الثنائية، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، والمجموعة العاملة المشتركة في مجال الهيدروكربونات، والمجموعة العاملة المشتركة حول الأسمدة، والبرنامج التنفيذي في الصحة، وبرنامج حول التعاون الزراعي. علماً بأن معظم هذه الآليات نشط حاليا، بينما البعض منهم في إطار العملية. وتم تسليط الضوء على هذه المواضيع ومناقشتها بالتفصيل في اجتماع اللجنة الهندية – السعودية المشتركة التي اختتمت مؤخرا. وخلال اجتماع اللجنة المشتركة، وافق الجانبان ايضاً على إيجاد حل لقضايا مكافحة الإغراق والبدء في التعاون التقني والتدريب وتبادل الخبراء في المواضيع التي تتعلق بمنظمة التجارة العالمية بين إدارة التقنية بوزارة التجارة والصناعة السعودية، ومركز دراسات منظمة التجارة العالمية بوزارة التجارة والصناعة الهندية. بالإضافة إلى ذلك، تتعامل الهند أيضا مع المملكة العربية السعودية من خلال الآليات الأخرى مثل المؤتمر الصناعي بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي، ومفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي. وخلال اجتماع اللجنة الهندية-السعودية المشتركة الثامنة، وافق الجانبان على منح تأشيرات التجارة الصالحة لمدة ستة أشهر ولعدة سفرات لرجال الأعمال من كلا البلدين. كما تتمتع المملكة العربية السعودية بإمكانيات هائلة باعتبارها سوقا سياحيا رئيسيا، ليس فقط لمواطنيها ، ولكن أيضا للمقيمين في المملكة. إن الشعب السعودي شعب ثري، ومعدل دخل الفرد المرتفع، يعزز موقف المملكة العربية السعودية باعتبارها سوقا كبيرة غير مستغلة في مجال السياحة. وفي الآونة الأخيرة، قام مكتب السياحة بحكومة الهند في دبي، بتنظيم عرض السياحة الهندية في الرياض، وكجزء من حملتها قام بإنشاء برامج سياحية مناسبة لجذب السياح السعوديين. وقد شعر مجلس السياحة بالحاجة إلى تقديم عروض مصممة خصيصا لمختلف شرائح المجتمع السعودي للعائلات السعودية والتي لديها أطفال وكبار في السن والتي قد تشمل برامج الصحة أو العلاجات بطريقة "الايورفيدا " الهندية القديمة. والسياحة الطبية هي أحد المجالات التي تحتاج إلى أن تكون جذابة، بحيث يتجه المزيد والمزيد من المواطنين السعوديين تجاه الهند لتلقي أرخص المعالجة الطبية.