ضجرت البقرة (الحلوب) من أسراب الذّباب اللَّزج، الذي يلتصق بظهرها، ويحوم خلفه.. أخذت تحرِّك ذيلها ذات اليمين وذات الشمال فيطير ثم لا يلبث أن يهبط على مدرج ظهرها العريض قاصداً مواقعه! ذباب لزج.. ودجاجات سئمت (الحزق) والتفريخ.. وهذا الديك لا يفعل شيئاً إلا أن يصُم الآذان بصياحه: - «أنا هنا يا واد.. أنا هنا يا بنت.. أنا أصيح.. إذن أنا موجود»! قالت دجاجة، في سرِّها: - «قفز.. نطنطة.. وصياح..! افعل شيئاً يا بعلي»! رد عليها، جهراً: «كوكو.. كوكوو»! فرحت وقالت: - «تعالوا يا أولاد.. أبوكم بيحُزق.. باينُّة ناوي يبيض.. يا ألف بركة.. الله ينتعه بالسلامة»! * * * لا يزال الذباب (اللزج) يحوم حول ذيل البقرة (الحلوب)! «لا حول ولا قوة إلا بالله».. حرَكت البقرة وفَركت.. ثم بركتْ! طردت ذباباً كثيراً.. وسحقت تحت عجيزتها ذباباً أكثر، لم يسعفه الوقت للطيران! ثم إنَّها نهضت نحو الماء الجاري.. وغمرت بعضها، لتزيل آثار العدوان.. * * * ما عاد الديك يصيح.. ما عاد الديك معتداً بعُرفه فقد رأى ذيل الثعلب خلف الحظيرة.. استجمع قواه.. وقفز على سقف العشّة، بعد أن عَهِد إلى دجاجاته بحماية البيض والكتاكيت! قالت دجاجة: «تعالت دجاجة: «تعال يا بعلي.. اصرخ.. اصفق بجناحيك.. فهذا يومك»! نظر إليها الديك بنصف عين.. وسمع بنصف أذن.. وقال في سرِّه: - «نفسي نفسي.. دجاجة تفوت.. ولا ديك يموت.. ويا روح ما بعدك روح»! * * * رفست البقرة الثعلب رفسة محترمة.. فتلوَّى قبل أن ينسحب من (الميدان) لا يلوي على شيء! كان الديك يرقب الموقف عن كثب.. ثم إنَّه صفق بجناحيه وانتفش.. ورفع عقيرته بالصياح، وقد أخذته الحماسة كل مأخذ..! هبط إلى أرض المعركة بعد أن شربت كل أرض ماءها وقال للأفراخ اللائذة بأمهاتها: - «أنا هُنا يا واد.. أنا هنا يا بنت.. أنا أصرخ إذن أنا موجود»! والتفت إلى دجاجاته متأملاً أوراكها: «بيضوا.. قوّاكم الله.. الأمور تحت السيطرة»! * * * حالمة وناعمة هذه اللحظات.. بواكيرها لم تكن كذلك.. كلمة (بواكير) لا تعجبني.. لنقل (مخاضها) كان مؤلماً.. ثم جاءت اللحظة الأجمل.. كما أول هواء يلامس أصغر رئتين.. ويعبر أصغر لسان وشفتين.. كأن اللحظة تقول: مرحباً بك في عالمي! يسمُّونها العاطفة (الهادئة).. تلك التي تنقلك من (السأم) إلى (الحُلم).. ما دمت لا تضيِّق واسعاً.. ولا تحصي حدود الاختيار (يا أسود.. يا أبيض)! * * * *من بوح سعاد الصباح: قل لي، قل لي كيف تصير المرأة حين تُحب شُجيرة ُفل؟! قل لي، كيف يكونُ الشَّبهُ الصارخ، بين الأصل وبين الظِّل؟! بين العين، وبين الكحل؟ * * * قل لي لغةً لم تسمعها امرأة غيري.. خذني نحو جزيرة حُب لم يسكنها أحدٌ غيري.. خذني نحو كلام خلف حدود الشِّعر.. * * * قطِّر ماء حنانك في أذنيا ازرع قمراً في عينيا إن عبارة حُبٍ منك تساوي الدنيا!