ما من عاقل ذي لب يشكك في الدور المؤثر والهام لخطبة الجمعة في إيصال رسائل تذكيرية أسبوعية لكل فرد من أفراد المجتمع، والعمل على تنشيط الجانب الروحي والأخلاقي والاجتماعي للفرد المسلم. ومن خلال قناعة شخصية بهذه الأهمية – وربما يكون من باب حب الاستماع إلى العديد من الخطباء- فقد اعتدت على التنقل بين المساجد المجاورة لي لحضور خطب الجمعة والاستماع إلى أكثر من خطيب سعيا وراء الفائدة العلمية والاجتماعية. وأستطيع القول من خلال هذه التجربة أن مساجدنا- والحمد لله- تحفل بالكثير من الخطباء المتمكنين من فن الخطابة وانتقاء المواضيع الهادفة ومخاطبة الناس باختلاف مستوياتهم، وهذه حقيقة لا تمنع وجود الشواذ إلا أن المقام هنا ليس للحديث عن أولئك الشواذ. هؤلاء الخطباء - من وجهة نظري - يؤدون دورا محوريا في معالجة مشاكلنا الاجتماعية التي قد لا يستطيع طبيب نفسي أو أخصائي اجتماعي معالجتها بسهولة. إلا أن هذا الدور وهذا الجهد به ثلم ونقص واضحان اتضحا لي بعد دراسة علمية بسيطة قمت بها خلال الأشهر الماضية. فمن خلال حضوري المتكرر للعديد من المساجد لاحظت كما قد يلاحظ غيري كثرة الإخوة الوافدين –من دول غير عربية- في المساجد بل إن نسبتهم في بعض هذه المساجد تفوق نسبة المتحدثين بالعربية. وبينما كنت استمع يوما لخطبة الجمعة قلت في نفسي: هل يعقل أن يفهم هذا الرجل الذي يجلس بجواري وقد أتى من بلاد البنغال ما يقول هذا الإمام المتحدث بلغة عربية فصحى ؟ أم ترى ذلك الأخ الآتي من جزيرة جاوة أو سومطرة قد فهم ما يرمي إليه خطيبنا من تلك الصور البيانية والتشبيهات اللغوية؟ ففكرت حينها بأن أسال أولئك الأخوة لعلي أجد الإجابة لديهم ! لذلك قررت القيام باستطلاع عام اسأل فيه الحاضرين من غير الأخوة العرب عن مستوى فهمهم للخطبة ومدى فهم الرسالة التي يود الخطيب إيصالها فاستعنت بالله ثم بخبرتي الأكاديمية البسيطة وشرعت في إجراء مقابلة بسيطة لا تستغرق أكثر من 5 دقائق مع 10 مصلين أسبوعيا ومن عدة مساجد إلى أن بلغ العدد 100 شخص كلهم من جنسيات غير عربية تشمل: الهند,باكستان، بنغلاديش, اندونيسيا, الفلبين وتشاد. وكانت الأسئلة المطروحة سؤالين: ما هو موضوع خطبة اليوم؟ و ما هي الفوائد التي استفدتها من خطبة اليوم؟ وللقارئ العزيز أن يتوقع كيف كانت النتائج! قد لا يكون مستغربا إن قلت أن 40% ممن شملتهم الدراسة الاستطلاعية لم يجيبوا على السؤال الأول بصورة صحيحة وبالتالي انتفت إجابتهم على السؤال الثاني. أما بقية ال60% فمنهم 40% فقط أجابوا إجابات صحيحة على السؤال الأول – وعندما أقول صحيحة فإنني اعني أنني اعتبر أي إجابة تحتوي على كلمة أو مفردة قريبة من موضوع الخطبة صحيحة- والنسبة المتبقية تبين أنهم قد فهموا المحاضرة وما يهدف الخطيب إلى إيصاله. إذن نستنتج من هذا الاستطلاع البسيط أن ما نسبته 20% من الأخوة المسلمين الغير عرب الحاضرين للخطبة الأسبوعية يفهمون فعلا محتوى تلك الخطب وأهدافها، وهذا أمر يدعونا بل ويلح علينا مراجعة طبيعة خطب الجمعة. إننا نعلم أن مجتمعنا السعودي يضم بين جنباته ملايين من الأخوة المسلمين الغير عرب وأنهم يؤثرون ويتأثرون بنا وبثقافتنا بل إن نسبة ليست بالبسيطة من مشكلاتنا الاجتماعية سببها إما عدم فهم أولئك الوافدين لعاداتنا وأنظمتنا أو بسبب تصادم ما يؤمنون به من عادات وثقافات مع ما هو سائد بالمجتمع الذي نعيش فيه . فلماذا إذن لا نستغل خطب الجمعة لتوعية وإرشاد وتثقيف هؤلاء المسلمين بما يخدم مجتمعنا ويقينا وإياهم الشرور والمشاكل؟! الذي اقترحه على معالي وزير الشؤون الإسلامية أن يخصص مسجدين في كل حي بحيث تكون الخطبة في أحد تلك المساجد باللغة الانجليزية وفي الآخر باللغة الأوردو وذلك لكثرة المتحدثين بهاتين اللغتين من الوافدين . أو أن تكون الخطبة الأولى في هذين المسجدين بالعربية والثانية بالانجليزية أو الأوردو.. إن مثل هذا التغيير في خطب الجمعة لأمر سيأتي بالعديد من الفوائد اذكرها على نقاط: إيصال الرسائل الدينية بكل وضوح للإخوة المسلمين الناطقين بغير العربية وبذلك يتم إرشادهم وتوعيتهم بأمور دينهم ودنياهم. إيصال الرسائل الأمنية والأنظمة الحكومية لهذه الفئة بكل وضوح وحثهم على التقيد بها والتحذير من مخالفتها. قطع الطريق على كل من يستهدف هذه الفئة للعب بعواطفهم الدينية وجرهم إلى أتون البغيان والضلال. عكس صورة مشرقة عن المجتمع السعودي وأصالته وتسامحه مع الوافد لمحاربة الصورة النمطية المرسومة للمواطن السعودي بأنه يستعبد المقيم ويهينه. هذا بالإضافة إلى العديد والكثير من الفوائد التي نحن بأمس الحاجة إليها كمجتمع فكما أننا نحتاج ساعد كل مواطن في عملية بناء هذا الوطن فإننا أيضا بحاجة إلى خبرة وعلم وعمل كل مقيم على ارض وطننا لتتكامل وتتضافر الجهود لرفعة هذا البلد المعطاء. * كلية التربية-جامعة أم القرى