شهدت المملكة العربية السعودية تنامياً ملحوظاً في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ففي عام 2008، بلغت قيمة تدفقات هذه الاستثمارات إلى المملكة 143 مليار ريال، بزيادة قدرها 57%، مقارنة بعام 2007. وكذلك استمر تنوع مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ فقبل بضع سنوات، قاربت إسهامات الصين ودول جنوب شرق آسيا - على سبيل المثال- مستوى الصفر، إلا أن هذه الدول أصبحت حالياً من بين أكبر الدول مشاركة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتجهة إلى المملكة. واستمرت المملكة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الدول ذات التقنية المتقدمة، كالولايات المتحدةالأمريكيةواليابان والاتحاد الأوروبي. إلا أن ثمة تغييرات حدثت في نسب إسهام هذه الدول في الفترة الأخيرة. فعلى سبيل المثال، كانت نسبة إسهامات الدول الأخرى، غير اليابان والولايات المتحدة ودول أوروبا، حوالي 38% من إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المملكة عام 2000م، غير أن هذه النسبة ارتفعت إلى 53% عام 2008م. وتجدر الإشارة إلى أن إسهام دول مثل: الصين وروسيا وماليزيا التي تمت مؤخراً قد أدت إلى المزيد من التنويع في مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتجهة إلى المملكة، فضلاً عن دورها في جلب رصيد هائل من الثروة ومصادر متنوعة من المعارف والتقنية. ومن شأن زيادة تنويع مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى المملكة أن تتيح الفرصة أمام الشركات والمؤسسات السعودية لأفضل الممارسات العالمية، وكذلك تنويع الأنشطة في مجال الأعمال، ورصيد الخبرات الفنية. وتبين اتجاهات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى المملكة العربية السعودية الميزات التنافسية التي تتمتع بها المملكة. فالحصة الأكبر لرصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2008م، مازالت موجهة نحو صناعة الطاقة وتكرير النفط والصناعات البتروكيماوية والتعدين والخدمات المالية، إلى جانب قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات وخدمات النقل والبنية التحتية والعقار والمقاولات. ومع أن الاستثمارات الباحثة عن الموارد الطبيعية كالتعدين، واستخراج البترول والغاز وصناعة تكرير النفط، ظلت تمثل الجزء الأكبر من إجمالي التدفقات الاستثمارية الداخلة للمملكة، فإن التنوع في وجهات الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد توسع بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، شهدت الفترة بين عامي 2006م و2008م، ارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة نحو قطاعات أخرى كقطاع المقاولات الذي ارتفعت التدفقات إليه من 3.9 مليارات ريال عام 2006م إلى 11.7 مليار ريال عام 2008م ، كذلك القطاع المالي، ارتفعت من 8.6 مليارات ريال في عام 2006م إلى 11 مليار ريال عام 2008م، مما يدل على أن الفرص الاستثمارية في قطاعات الخدمات المالية والتأمين في المملكة قد أصبحت متاحة، وأن لها جاذبية استثمارية عالية. إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الخدمات المالية يطوره المستثمرون الباحثون عن الكفاءة الذين يستفيدون من توفر السيولة في اقتصاد المملكة، ومعدلات الفائدة المنخفضة، وكذلك المستثمرون الباحثون عن الأسواق الذين يمثل لهم سوق المملكة فرصاً تسويقية جديدة لمنتجاتهم المالية، مثل خدمات التأمين. ومع أن وتيرة نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى المملكة قد تسارعت في السنوات الأخيرة، فإن هناك ثلاثة مبررات تؤكد إمكانية رفع مستوى أداء المملكة بدرجة أكبر في مجال اجتذاب هذه الاستثمارات. أولها: تمتع المملكة بأكبر اقتصاد في المنطقة. ثانيها: في الوقت الذي شهدت فيه الاستثمارات في المملكة نمواً ملحوظاً، فإن هذا النمو ظل أقل من المستوى الذي يتناسب وحجم الإمكانات الحقيقية لاقتصاد المملكة. ثالثها: بينما ازداد تكوين رأس المال الثابت الإجمالي بصورة مطورة في المملكة، فإنه شهد انخفاضاً في مؤشر نسبته من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير هذه الزيادة إلى حقيقة أن نمو الناتج المحلي المدعوم بأسعار النفط قد ازداد بمعدل أسرع، مقارنة بمعدل تكوين رأس المال الثابت الإجمالي. إن هذه العوامل تؤكد ما جاء في تحليلات الأونكتاد التي تشير إلى الإمكانات القوية التي تتمتع بها المملكة في اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإمكانات تحسين أدائها في هذا الصدد. وحتى تتمكن المملكة من تحقيق هذا الهدف، ينبغي على المملكة دراسة كيفية إزالة العوائق التي تواجه الاستثمار، وكذلك تسهيل عملية التعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة لديها، وتسويقها بشكل جاذب.