الصديق أبو أحمد، الجعيثن عبدالله بدأ كتابة فكرة شهية، عذبة، محلقة، تماماً كما عذوبة روحه، وعشرته، ومعشره، ونقاء داخله الذي يتفجر سخاء أخلاقياً، وحباً إنسانياً، وتصالحاً مع الناس، والحياة، والأفكار، وكتب بعنوان «المرأة تتغزل بالرجل». ويبدو أن الموضوع والأفكار في هذا المجال ثرية، ومحفزة، وجاذبة للبحث، والدراسة، والتحليل، فالمرأة كائن شفاف، وعاطفي، تتأثر، وتؤثر، وإذا أحبت فإنها تذوب وجداً، وعشقاً، وتعاني أوجاعاً من خلال التفكير، والسهر، والأحلام، وعذابات الفراق، أو حسرات البعد، وآلام ومعاناة الفقد. المرأة شاعرة بطبيعتها، وطبعها، حالمة في كل تفاصيل حياتها، ترسم الصور، وتبدع الكلمات المموسقة العذبة، وتعطي مفردة تحلق فوق السحب، وتلامس النجوم، مضمّخة بالعطر، ومطوقة بالفل والياسمين. لكن مشكلتها كبيرة في أن هذا المخزون الهائل من المشاعر، والعواطف، والأحاسيس لا يجد المناخات الجيدة في هذا الشرق، ولا الفضاءات الجميلة في المجتمعات الشرقية والتي تقتات التخلف، والجهل، وتنتج ثقافة قتل الإبداع، واغتيال المشاعر. في هذا الشرق الغبي ببعض أفكاره، وممارساته، ورؤاه يكون بوح المرأة عيباً، إن لم يكن جريمة وهذا معناه مصادرة، وقمع، وإقصاء مشاعر، وعواطف، وإبداع إنسان من حقه أن يمارس رسم الكلمة، والحرف، وأن تفيض أحاسيسه بالمعاناة التي تكرس حالة الخلق، والتعبير عنه، لينتج أدباً جيداً ورائعاً وخالداً، إن في الشعر، أو الرواية، أو القصة، أو البحث. المرأة في حقيقتها قصيدة عذبة، ومشرقة، وهي ينبوع عواطف رقيقة تتجلى فيها كل معاني الصدق، وتجليات كيميا الأرواح، والأفكار، والجسد. لا أريد أن أفسد على الصديق عبدالله الجعيثن شهيته في الكتابة عن موضوع «المرأة تتغزل بالرجل» ولا أرغب أن أكون «مشاغباً» في هذا الموضوع. وسأنتشي بأفكاره القادمة عنه، لكني سأذهب بعيداً لأذكر بأن المرأة من حقها البوح بكل مكنوناتها ولا حرج ولو كره الكارهون. وقد تعدت مسألة الغزل، والبوح إلى إيحاءات وتلويحات تدل على عمقها، ووعيها، ومعاناة قلبها. مثلاً، مثلاً. لنأخذ نموذجاً قصيدة عليا حبيبة «أبوزيد الهلالي» التي أرسلتها إليه من نجد وهو في المغرب يقاتل البربر. «يا ركب يااللّي من عقيل تقلّلوا على ضمّر شروري الحنايا نحايل قولوا لابوزيد ترى الوادي امتلا وكل شعيب من مغانيه سايل والله لولا البحر بيني وبينه جيته على وضحى من الهجن حايل» ونسأل: - هل بعد هذه الإيحاءات بوح..!؟