لم أكن قد قرأت مقال الأستاذ الناقد محمد العباس في الملحق الثقافي بهذه الجريدة تحت عنوان ( الكلام الأسطوري حول ارتقاءة ماجد ) ، الخميس الماضي حينما هاتفني أحد الأصدقاء مبديا رغبته في التعليق عليه ، لكنني تساءلت على الفور عن علاقة ناقد أدبي اشتهر بتفكيك النصوص الأدبية ، وفتح مغاليقها وفق أدبيات المدارس النقدية الحديثة في أمر رياضي يتصل بلاعب كرة معتزل ( ماجد عبدالله ) ؟ ، وهل سيبشر هذا التحوّل بمولد أدب جديد يُمكن أن نطلق عليه مثلا : الأدب الرياضي ؟ ، أم أننا أمام مرحلة أدبية جديدة يتغيّأ منها النقاد الوصول إلى بقعة الضوء التي انحسرت عنهم لصالح المحللين الرياضيين ، ولو بإراقة مداد أقلامهم في ال (أوف سايد) ، و(الآوت) وضربات الجزاء وغيرها ؟ . غير أن الأستاذ العباس سرعان ما بدد دهشتي حينما وجدت أنه يتصدى للرد على أدواردو غاليانو ، كاتب الأورجواي الطليعي وأحد أقطاب الفكر التحرري في العالم حسب وصف الأستاذ العباس ، في كتابه ( كرة القدم في الشمس والظل ) ، والذي يهزأ فيه من استاد الملك فهد ، ويصفه بأنه بلا ذاكرة وليس لديه ما يقوله ، بعد أن يستعرض مآثر استاد ويمبلي وماركانا وغيرهما وزفرات الجماهير فيها ونقرات طبولهم وآهات الخسائر وأهازيج الانتصارات ، وبقطع النظر عمّا ذهب إليه الناقد العباس حول أسطورية أحد أهداف ماجد عبدالله في سياق دحضه لحجج غاليانو في رأيه التبخيسي .. فإن الموضوع بدا لافتا بالفعل ، كونه يُعالج ولأول مرة شأنا رياضيا لم يسبق وأن التقاه الأدب حتى ولا بطريق الصدفة أو التسلل ، في إطار النسق الدلالي الثقافي للحدث الرياضي المتساوق مع القيم الرياضية السائدة ، إلا أن اقتراب النقد الثقافي والأدبي مما كان يُحرمه الأدباء على أنفسهم ، ويدّعون ولو تمويها جهلهم به ، كما لو كان من سقط المتاع ، يُعدّ سابقة قد لا تبتعد في فرادتها عن قيام الداعية الشيخ عايض القرني بكتابة كلمات للمغني محمد عبده على سبيل تأديتها فيما اتفق على تسميته بالإنشاد . الدكتور الغذامي في كتابه النقد الثقافي أراد إصابة هذا الهدف ، على اعتبار أن النقد يجب أن يقرأ مفردات الثقافة اليومية بكل تفريعاتها ، وصولا إلى القراءة الموضوعية للحراك الثقافي الاجتماعي ، وأنا أعتقد أنها خطوة شديدة الأهمية لا تعني بالضرورة انصياع قامة الثقافة والأدب إلى ديماغوجيا الجماهير ، وإنما تعني بالتأكيد تثقيف الرياضة ورفع كفاءة تداولها الثقافي من ذهنية المدرجات إلى ذهنية الأدب ، وهذه واحدة من مهام الأدب ووظائفه الكثيرة ، طالما أن الأدب لا يستطيع أن ينتزع من هذه النشاطات جماهيريتها وشعبيتها فليس أقل من أن يُساهم بتهذيبها وترقية لغتها وأنماطها وممارساتها ، وقد يكون بالتالي من الأجدى إزالة تلك الصبات الخرسانية التي أقامها الأدباء حول كانتوناتهم بذريعة النخبوية ، والتي غالبا ما تنفق مهاراتها على بعض نصوص من ( أدب التيفال ) ، والذي تقرأه فلا يكاد يلتصق بذهنك منه شيء ، مثل طناجر التيفال الشهيرة ، حسب وصف ميشال جحا . بالفعل هي مقاربة غير مسبوقة تستحق التوقف ! .