ما يزال الروائي الجزائري المعروف الطاهر وطار أو " عمي الطاهر " كما ينعت في الأوساط الإعلامية والأدبية متشبثا بالكتابة وهو على فراش المرض يصارع بالكيماوي ورما سرطانيا يريد سلب الحياة من يده ، فكتب " قصيد في التذلل " بأصبع واحد ، هكذا قال ل " الرياض " لأن بقية أصابعه كانت شبه ميتة من تأثيرات العلاج الكيمياوي فكان ذلك الأصبع طريقته في محاربة الموت بالكتابة فوق سرير باريسي يشتكي منه غربته الجديدة بعيدا عن أهله وجاحظيته ومحبيه . " الرياض " هاتفت " عمي الطاهر" وباركت له حصوله مؤخرا على جائزة الدورة ال 11 لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية للعام (2008-2009 ) التي منحت له من بين 262 مرشحا في حقل القصة والرواية والمسرحية تثمينا لما اعتبرته المؤسسة " قدرته التجريبية التي مزجت الأصالة بالواقع الاجتماعي وجرأته في بناء الشخصيات والأحداث لمعالجة قضايا محلية وبيئية بلغة متطورة تقارب في روحها العامة كلاسيكيات الرواية " ، وبصوت كان يتنفس الحياة ، يتنفس الصحة ، قال الطاهر وطار إن وقع الجائزة لم يكن يختلف عن العلاج الكيماوي الذي يخضع له من حيث إنها جاءت تماما كجرعة حياة جديدة أمدته بالقوة : " سررت بها كثيرا ، لأنها تأتي في وقت أصارع فيه شبح الموت الذي يضاجعني كل ليلة ، ثم تأتي وأنا ما زلت أخوض معركة مزدوجة في الجزائر مع غلاة الفرنكفونية من جهة والمعرّبين المستسلمين من جهة أخرى " وفي رأي الطاهر وطار ما يزال من أسماهم ب " غلاة الفرنكفونية " من المسلوبين فكريا ولغويا يتمادون في إعلان الحرب على اللغة العربية وإشهار عداوة تجاه عمق الجزائر العربي والإسلامي مقابل خنوع بل سكوت مخيف لفئة المعربين الذين " فقدوا عنصر الاحتجاج والرفض " وصار كثير منهم يتزلف للسلطة " ليس معنى هذا أنني ضد السلطة ، أنا أكره المتزلفين المتذللين للسلطة من المثقفين ، من خصائص السلطة الثبات والبقاء ، ومن خصائص الثقافة التجاوز ، بعض المثقفين يرهنون حريتهم ، يرهنون قدرتهم على قول الحقيقة كاملة غير منقوصة بارتمائهم في حضن السلطة " . ولم يخف الطاهر وطار سروره الآخر بالجائزة التي التفتت أخيرا كما قال لذلك الجزء الجغرافي " المنسي أحيانا " من الوطن العربي وهو المغرب العربي ، وزادت سعادته عندما وجد اسمه إلى جانب قامات مغاربية أخرى حظيت بالإنصاف مثل شيخ الليسانسات التونسي عبد السلام المسدي . الطاهر وطار الذي عبّر قبل أزيد من 4 أشهر عن خشيته من أن يداهمه الموت وهو لم يكمل نصه الروائي " قصيد في التذلل " الذي ظل يشتغل عليه منذ العام 2007 ، لكن ها هو ينتصر على خوفه ويوقّع من باريس آخر روايته المكتوبة بأصبع واحد ، نكاية في الذين استعجلوا نعيه كما قال ، وهي الرواية التي هرّبها من سريره الباريسي المعتل باتجاه إحدى الصحف الجزائرية التي نشرتها متفرقة منذ بداية شهر رمضان الفارط استعدادا لطبعها على نفقتها تكريما لصاحب " اللاّز " و " جازية والدراويش " و " الشمعة والدهاليز " ، آلمه أن يتنكر الوطن لعطاءاته ، لقاماته كواحد من كبار الكتاب والروائيين العرب فيحوّله إلى " حرّاق " مثلما يقال في العامية الجزائرية أي إلى مقيم غير شرعي في بلد تبجّل فيها الثقافة وأهلها ، بعدما فشلت جهوده في تجديد بطاقة إقامته ما يحول دون إمكانية عودته إلى باريس في حال غادر إلى الجزائر لزيارة أهله بعد الانتهاء من جلسات الخضوع للعلاج الكيماوي الدوري واضطراره لطلب التأشيرة للعودة إلى المستشفى مجددا . ولعل أكثر ما آلم شيخ الروائيين الجزائريين عدم تهنئة بلده له بعد حصوله على جائزة العويس وهو على فراش المرض يكابد لوحده محنة الصحة قائلا " الوحيد الذي هاتفني مباشرة بعد إعلان فوزي هو الأديب الهاشمي سعيد " المتحصل على جائزة ''الهاشمي سعيداني'' التي يمنحها الطاهر وطار ضمن جمعيته الثقافية " الجاحظية " عن روايته الجميلة ''عاشق النور'' / وهي الجائزة التي قرر وطار منذ إنشائها العام 2005 منحها اسم القاص الجزائري الراحل ''الهاشمي سعيداني'' الذي كان " يحس بالتهميش لأنه معربا وليس مفرنسا " مثلما يقول صاحب " الشهداء يعودون هذا الأسبوع " . ونلمس في كلام الطاهر وطار الذي سافر إلى باريس منتصف ديسمبر / كانون الأول 2008 بعد تأزم وضعه الصحي على خلفية اكتشاف الأطباء لورم خبيث على مستوى الكبد ، عتابا شديدا لوزارة الثقافة الجزائرية دون أن يسمها ، وللمركز الثقافي الجزائري بباريس الذي يديره الكاتب المشهور ياسمينة خضرا الذي يكتب باللغة الفرنسية ، والذي سبق لوطار أن فتح النار عليه لتجاهله مرضه وعدم زيارته في المستشفى . وكانت أحلام مستغانمي ، صاحبة الثلاثية الشهيرة ( ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير ) تمنت في الكلمة التي قرأتها خلال الحفل التكريمي الكبير الذي خصتها به وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي في الثاني من شهر نوفمبر / تشرين الثاني الماضي بمناسبة حضورها الجزائر لبيع و توقيع كتابها الأخير " نسيان كوم " ضمن فعاليات معرض الجزائر الدولي للكتاب ، لو أن الوسام الذي وضع على صدرها يوضع على صدر الطاهر وطار القابع فوق فراش المرض في باريس وعلى صدور روائيين سبقوها للكتابة قائلة " أتقاسم هذا الوسام مع كلّ من رفعوا شأن الجزائر بأقلامهم وثقافتهم وموهبتهم أينما وُجدوا يحضرني منهم الغالي الطاهر وطّار شفاه الله وأطال عمره " قبل أن تضيف " يُحرجني جدًّا أن يُوضع هذا الوسام على صدري.. بينما ما زالت قبور من سبقوني الى المجد عارية " . نذكر أن رواية قصيد في التذلل " تأتي ثلاث سنوات فقط بعد آخر ما كتبه وطار أي رواية " الولي الطاهر يرفع يده بالدعاء " التي لم تحظ بنفس رواج سابقتها . ويقف وطار في " قصيد للتذلل " عند " مسار اليسار في الجزائر وثنائية الثقافي والسياسي، وكيف يسعى الثاني إلى تدجين الأول " . وكان وطار ذكر أن رغبته في الانتهاء من النص الجديد جعلته يعود للكتابة وهو في المستشفى وأن كل ما كان يخشاه ان ينشر العمل بعد رحيله تحت عنوان " رواية لم تكتمل " .