تعني «المواطنة» في أبسط معانيها الارتباط بالأرض والولاء للوطن. وعلى الرغم من ان مفهوم «المواطنة» ارتبط دائماً بالجنسية التي يحملها الفرد، إلاّ أنها باتت غير كافية للدلالة على معنى المواطنة، فقد يكون «جواز السفر» أو «حفيظة النفوس» أو «بطاقة الأحوال المدنية» أو «واقعة الميلاد» وفقاً للأنظمة والقوانين، أساساً لمنح الجنسية، إلاّ أنها دون شك ليست كافية لتحقق معنى «المواطنة»، الذي أصبح أوسع نطاقاً، وأكثر شمولاً من مجرد حمل جنسية دولة ما. فمفهوم «المواطنة» يتضمن الشعور بالإنتماء والوحدة الوطنية، وكما ان «المواطنة» ترتب منظومة من الحقوق الأساسية للمواطن، أهمها الحق في الحياة والحصول على «جنسية الوطن» والملكية الخاصة والتعليم والرعاية الصحية والعمل والضمان الاجتماعي وغيرها من الحقوق الأساسية، فإنها تنطوي في الوقت نفسه على الاحترام المتبادل في علاقة المواطن بالدولة التي ينتسب، بل «ينتمي» إليها. فولاء الفرد وإنتماؤه للوطن، لا يولد معه، وإنما ينمو تدريجياً مع ادراكه لما تبذله الدولة من جهود لخدمته وخدمة مواطنيها ورعايتهم. ومن هنا فإن غياب الشعور بالإنتماء، يعني تلقائياً ان المواطن لن يؤدي ما عليه من واجبات، وربما يتقاعس عن الحصول على حقوقه. كما أنه لا يكفي ان تتوفر للدولة أركانها ومقوماتها التي تكفل لها السيادة، وتقوم على صيانة أمنها، وإنما يجب ان تتوافر للدولة الخصائص الحضارية كإطار أوسع للولاء والإنتماء. ولا يمكن إقامة هذه العلاقة العضوية - «المواطنة» - بين الفرد من ناحية، و«الوطن» من ناحية أخرى، دون وجود الطرفين، المواطن والدولة أي لابد من وجود المواطن - الفرد - الإنسان الذي يشعر بالإنتماء، ومن ثم الدولة - المسؤولة التي ترعى المواطن، وتكون قادرة على الوفاء باستحقاقات «المواطنة». وتنطلق مبادرة تأسيس جمعية أهلية تحت اسم «مواطنة فاعلة ومواطنون ايجابيون» من رؤية شاملة لدور جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية ومن الحاجة إلى تعزيز كافة الجهود والمبادرات التي ترمي إلى تأكيد «الهوية الوطنية» وترسخ قيمة «المواطنة» في المجتمع، من خلال تفعيل المبادرات الوطنية، خاصة مبادرتي «كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري» و«كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للوحدة الوطنية». وتسعى المبادرة إلى تأكيد أهداف وتوجهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشائه «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني»، وأهداف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، بإنشاء كرسيين لدراسات الأمن الفكري والوحدة الوطنية، كما تطمح إلى ترجمة عملية. وتطبيق واقعي لهذه الأهداف والتوجهات، من خلال تعبئة وحشد كافة الطاقات الوطنية، ومن خلال عمل يومي مشترك ومتواصل في خدمة توجهات قادة البلاد، وكذلك من خلال عملية التنمية الوطنية الشاملة مع تأكيد الدور المحوري للتنمية الثقافية، والذي لا يمكن لجهود التنمية الشاملة ان تؤتي ثمارها بدونه، وبمعزل عن تربية سلوكية تغذي مفهوم «المواطنة». وسوف تعمل المبادرة على تأكيد دور التنمية الثقافية في ترسيخ السلوك اليومي للمجتمع، لتصنع من الهوية الوطنية آلية لدعم توجهات المجتمع، وبرنامجه للعبور إلى المستقبل. وسوف تسعى الجمعية إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها: - العمل على تطبيق ونشر توصيات دراسات كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري وكرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للوحدة الوطنية، تفعيلاً لآثارها ونتائجها، وبهدف رفع مستوى الوعي العام لدى المواطنين، وتطوير معرفتهم بقضايا الأمن الفكري والوحدة الوطنية. - العمل على تحصين المجتمع وحمايته من الأفكار الضالة والهدامة التي تهدد وحدة البلاد، وتحصين الشباب خاصة، وكافة فئات المجتمع بشكل عام، ضد مختلف النزعات الفكرية الخارجة على صحيح الدين الإسلامي، والمناوئة لقيم وتقاليد المجتمع السعودي. - الاسهام في الجهود التي تهدف إلى حماية المجتمع وأفراده من حملات الغزو الثقافي والفكري التي تسعى إلى اضعاف مناعته الفكرية والثقافية والنيل من مكانة الوطن وموقعه الاقليمي والدولي المحوري. - تعزيز روح «المواطنة» وتأكيد الهوية الوطنية ومواجهة نزعات الإنتماء الفرعي الضيق الذي يؤدي إلى التعصب والانغلاق، وإلى اضعاف روح الإنتماء الوطني. - تعزيز روح الولاء للقيادة السياسية لدى الجماعات والأفراد، خاصة الشباب السعودي، وحشد وتعبئة الموارد الفكرية والثقافية والطاقات الشبابية، تفعيلاً لهذا التوجه الوطني. - تشجيع المرأة على المشاركة المجتمعية تقديراً لدورها في بناء المجتمع وتجديداً لمكانة المرأة وموقعها في الإسلام، وحرصاً على الاستفادة بإمكاناتها وقدراتها، باعتبارها تشكل نصف المجتمع. - إعلاء قيمة حب الوطن باعتباره الدائرة الأكبر والأوسع والأشمل والأولى والأعلى من الإنتماءات خارجة، وتقوية مشاعر الإنتماء للوطن لدى كافة فئات المجتمع. - تشجيع البحوث والدراسات والأنشطة التي تهتم بفكرة «المواطنة» وتطويرها، والعمل على نشر هذه الدراسات والبحوث والاهتمام بتوصياتها تفعيلاً لتأثيرها، ونقلها من مجال الفكر والنظريات إلى أرض الواقع، خاصة في مجالي الأمن الفكري والوحدة الوطنية. - الاسهام بدور فاعل ومؤثر في التنمية الثقافية وتحويل مفهوم التنمية الثقافية إلى واقع عملي وتطبيقي يخدم قضايا الأمن الفكري والوحدة الوطنية، ويعزز عملية «المواطنة». - دعم عملية بناء الشخصية المتوازنة والمتكاملة للإنسان السعودي، رجلاً وامرأة، مع الاهتمام بتنشئة الشباب والفتيات، باعتبارهم المكون الرئيس والأساس لمستقبل الوطن. - نشر ثقافة «المواطنة» بين أفراد المجتمع، ليس كبديل للأفكار المتطرفة أو المنحرفة فحسب، بل كتيار رئيس وعام لمجرى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع. - العمل على نشر ثقافة الحوار واحترام الآخر وترسيخ مبدأ حق الاختلاف في الرأي، انطلاقاً من القيم والمبادئ الإسلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، التي تعلي من هذه الثقافة باعتبارها الضمانة لعدم افراز أجيال من الشباب فاقدي الهوية الذين تعبث الفئات الضالة بعقولهم، والضمانة لحماية الشباب من التعصب وأحادية الرأي وهما أهم المداخل الحقيقية لصناعة «الإرهاب». - تغليب روح الإنتماء للوطن على الروح القبلية، والعمل على اشاعة ثقافة الإنتماء والغاء النعرات القبلية والطائفية والمذهبية وتأكيد خطورتها على الوحدة الوطنية، وتهديدها للنسيج الاجتماعي للبلاد. - تعميق عوامل الهوية الوطنية ضد الانتماءات «الفرعية» التي تؤدي إلى اضعاف الولاء الوطني، لمصلحة تكتلات فئوية وقبلية هامشية وضيقة. - التعاون مع كافة مؤسسات المجتمع المدني على نشر ثقافة التسامح الديني، ومناقشة الآخرين انطلاقاً من مبدأ و«جادلهم بالتي هي أحسن»، تحقيقاً لهدف «فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» صدق الله العظيم. - التعاون مع كافة المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من أجل تعزيز مبدأ المشاركة المجتمعية، ودورها في تعميق وترسيخ ثقافة «المواطنة». أما محاور وبرامج الجمعية المقترحة فسوف تركز على: - تعزيز عملية التنشئة المدنية، تأكيداً لقيمة المواطنة ودعم اتجاهات السلوك الايجابي للفرد في بناء الوطن، وتأكيداً لقيمة الولاء والإنتماء من خلال المحاضرات والندوات واللقاءات المختلفة. - تعزيز مبدأ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية، وحشد وتعبئة جهود القطاع الخاص، وتشجيع المبادرات الأهلية، على الرؤى الوطنية موضع التطبيق، والعمل على ترسيخها بين كافة قطاعات وشرائح المجتمع. - تطوير دور المؤسسات الاقتصادية في المشاركة المجتمعية، انطلاقاً من توصية الملتقى الفكري الخامس، الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والذي أكد على أهمية وضع رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية، من خلال برامج تقوم بها المؤسسات الحكومية والأهلية. ونتوقع ان تقوم الجمعية الدور الذي نرى أنه دور مهام ما يزال غائباً، وأنها قادرة على النهوض به، باعتبارها إحدى مؤسسات المجتمع المدني، المعنية بالتعامل مع المجتمعات الإنسانية وثقافتها، وبالحوار مع الآخر. - تنظيم الملتقيات والندوات والمحاضرات التثقيفية لشرح معنى «المواطنة»، وتأكيد قيم التسامح والحوار واحترام الرأي الآخر. - رفع مستوى الوعي بالمواطنة بين فئات المجتمع المختلفة من خلال جهود الجمعية، وبالتعاون مع كافة مؤسسات المجتمع المدني. - ترسيخ التفاعل المجتمعي مع ولاة الأمر، وتعميق مبدأ طاعة ولاة الأمر، وضرورة وأهمية الالتفاف حول جهودهم لتطوير المجتمع وتقدمه، باعتبار هذا المبدأ سلوكاً مهماً لتعزيز الإنتماء الوطني وتأكيد الولاء للوطن. بقي ان نقول: إن ما جاء أعلاه ليس إلاّ جهداً ذاتياً متواضعاً، قابلاً للتدارس من ذوي الاختصاص العلمي والارتباط المهني، للخروج به إلى أرض الواقع تنفيذاً. وعليه فإن كاتب المقالة سيكون ممتناً، لكل ما يعرض من مشاركات، بغرض تطوير الفكرة والدفع بها نحو الأفضل، والله من وراء القصد،،،