قبل أكثر من خمسين عاما وُقّعت في روما المعاهدة التأسيسية للمجموعة الأوربية، ومع أن للمكان دلالاته الحضارية والعقدية التي مكنت فكرة المجموعة الأوربية من القفز فوق جراح الماضي والنزاعات العرقية والمذهبية وتعدد الألسنة، وتمايز الأداء والمكانة الاقتصادية، فإن التقدم الذي تم باتجاه الاتحاد الأوربي الكامل قد توج بانتخاب رئيس للاتحاد الأوربي ووزير للخارجية وذلك بعد معاهدة بلغت صفحاتها 256 صفحة تقريبا، وأضيف نحو 400 تعديل على المعاهدة التأسيسية ومعاهدة (ماستريخت 1992م). الفوارق العرقية والأيديولوجية وإرث التاريخ واختلاف الألسن تم التغلب عليها بالربط المصلحي بين دول وشعوب أوربا حتى غدت الوحدة قدرا لابد منه، وأصبح الخارج عن الوحدة يتكبد خسائر سياسية واقتصادية لا يطيقهما. مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في مايو من عام 1981م لتهيئة الظروف باتجاه التكامل الاقتصادي والاندماج الاجتماعي بين دول وشعوب الخليج كأمل يتطلع إليه المجلس في أولى دورات قمته غرق في ظروف ملحة تطلبت تكريس جهود المجلس لتجنيب دول الخليج حالة الاستقطاب الأمني والأيديولوجي مع اندلاع حرب الخليج الأولى، وتزايد التوتر بين القوتين السوفياتية والأمريكية وتغلغل نفوذهما في المنطقة. تلك الظروف الخارجية صرفت المجلس عن تحقيق هدفه الوحدوي ولم تُتخذ خطوات جدية تكرس الوحدة بناء على تشابك وترابط المصالح إلا بعد عام 1992م. لكن معوقات تحقيق ذلك الهدف السامي أكبر بكثير من محفزاته؛ إذ لا توجد في النظام الأساسي ضمانات تعزز التوسع في الربط المصلحي، فضلا عن معارضة إقليمية ودولية لقيام اتحاد خليجي حقيقي. إن ارتباط مصالح دول مجلس التعاون بعضها ببعض حقيقة على الأرض وليس أمنيات وعواطف هو الذي سيؤدي إلى قيام اتحاد خليجي. وإذا كان خادم الحرمين الشريفين قد تحدث بشفافية بالغة بقوله " إنني أطمح أن أرى دول مجلس "التعاون" الست، والتي يجمعها الدين الواحد واللغة الواحدة، بل اللهجة الواحدة، أقول أطمح أن أرى مسار هذه الدول أفضل بكثير من مسار الاتحاد الأوربي، فلديها كل مقومات الترابط المصلحي التي تجعلها وحدوية بصورة أفضل من الاتحاد الأوربي" فإن على أجهزة الدولة في الداخل وعلى الأشقاء في مجلس التعاون أن يتعاملوا بجدية مع هذه الرغبة السعودية وأن يقرروا ما إذا كنا سنسير إلى اتحاد خليجي حقيقي أم أننا نهدر الوقت ونشتت الجهود باتجاه لاشيء. لنكن أيضا من الوضوح كما هم الأشقاء بمنتهى الوضوح معنا ونقول بأن السعودية ليست الرابح الأكبر من قيام اتحاد خليجي، ولكن قيام الاتحاد هو مكسب للجميع وعلينا أن ننظر إلى الأمور من هذا المنطلق. نحن أمام فرصة ذهبية، قد نستثمرها وقد نفرط فيها، وقد تأتي ظروف وتتبدل أحوال تجعلنا نندم إن نحن فرطنا في هذه اللحظة التاريخية؛ فمن كان يستند إلى ثراء في الدخل وازدهار في الداخل يجعله يستنكف أن يلج وحدة خليجية مع آخرين يرى أنهم أقل شأنا منه قد يفاجأ بتقلبات يتمنى معها أنه قدم لكيانه السياسي أفضل مما فعل. طريق الوحدة الخليجية ليست طويلة ولكنها ليست معبدة، بل مزروعة بالأشواك وتحتاج إلى إرادة مشتركة تقاوم الضغوط والقوى التي تميل إلى الانفراد بدول الخليج من أجل مصالحها هي لا مصلحة الخليج. أتمنى أن نحدد الموقف من هذا الخليج، هل نريده اتحادا أو نسخة مصغرة لجامعة الدول العربية؟ فإذا كنا نريده اتحادا فليكن في نظامه الأساسي ما يحميه لصالح المجموع على حساب السيادة الأحادية لدوله.