تمثل الأوراق الثبوتية للأبناء العائق الأكبر الذي تواجهه كثير من الأمهات في حال الانفصال أو تغيب الزوج، وغالبا ما تلجأ الأم للحصول على هذه الأوراق بالتفاهم مع والدهم، لكنها تضطر للجوء إلى القضاء عند رفض الأب تسليم الام أصل الأوراق الثبوتية للأبناء أو نسخة منها، وذلك حفظا لحق أبنائها في تلقي التعليم والعلاج وغيرها من الأمور اللازمة لتسيير حياتهم. ونتيجة لبطء سير الدعوى القضائية ورفض الأب حضور الجلسات يغرق الأبناء في دوامة من المشكلات، وعلى رأسها رفض المدرسة إبقاءهم في الصفوف الدراسية، مما يؤدي إلى تأخرهم تعليمياً، كما تعاني الام من إجراءات المراجعة بين القضاء والمحامين بحثاً عن حل لمشكلة أبنائها. وهنا طرحت «الرياض» آراء سيدات مررن بالتجربة، غالبهن مثقفات ويعملن في حقول مختلفة منها الطبية والادراية وغيرها، مما يؤكد على ان المشكلة لم تقتصر على فئات معينة من المجتمع، علماً أن هناك مشكلات استمرت في القضاء لعدة سنوات، ومن الزوجات من لجأن لمحام، ومنهن من رضخ لشروط الأب حتى تحفظ لأبنائها حقوقهم وتختصر مراجعة المحاكم. إثبات النسب في البداية قالت البندري السعود «أم علي» لقد تزوجت قبل ثلاث سنوات ورزقت بطفل، ومنذ ولدته أهمل زوجي أوراقه الثبوتية في المستشفى إلى ان أكمل ابني (6) أشهر فاضطررت ان احضرها من المستشفى بنفسي (تبليغ ولادة بدل فاقد)، وبعد أن اكمل ابني السنة الأولى أصبحت شهادة تبليغ الولادة لاغية. وعانيت مع ابني الكثير وبالأخص في حالات المرض، فلا أستطيع علاجه إلا بأوراق ابن أختي، وكل هذا ووالده لا يبالي، وقدر الله ان انفصل من زوجي بعد ان ذقت معه مرارة الإهمال، وأصبحت الحياة لا تطاق معه، والآن ابني سيكمل ثلاث سنوات بدون إثبات ولا أوراق تسمح لي بعلاجه ولا تعليمة، وحاولت تسجيله ولكن الإدارة رفضت إلا بأوراق الإثبات أو حضور والده، وهو يرفض الحضور أو تزويدي بالأوراق الثبوتية. وأضافت: كانت حجته في رفض إضافة ابني في دفتر العائلة وإعطائه النفقة طلبي الطلاق «بمحض إرادتي»، ودائما ما يردد: «ابني وأنا حر فيه، متى ما أردت إضافته سأضيفه»، وعند مراجعة الضمان للحصول على المعونة، كانت الاجابه بالرفض لعدم إضافته بورقة التبليغ، مطالبينني باستخراج الأوراق الثبوتية من الإمارة، ووجدت نفسي أمام أكثر من قضية اولها إثبات النسب، ومن جهة أخرى يرفض والدي مراجعتي للمحاكم بقوله «ولده وهو حر مالك دخل»، فأطلب من الله ان يعينني على هذه الأزمة التي أعاني منها حينما أرى ابني مريضاً أمامي ولا أستطيع فعل شيء. المرأة ممنوعة من استخراج البطاقة من جانبها قالت أم عبد العزيز الحمد لقد كنت أتساءل منذ سنوات لماذا يعاقب الأب أبناءه عند طلاق والدتهم بحرمانهم من استخراج هويتهم، التي هي نظاماً من اختصاصه ومسؤوليته بحكم الأبوة؟، المشكلة هنا أن المرأة المطلقة هي أول من تعاني من هذه المشكلة، نظراًً لأن النظام لا يسمح للمرأة المطلقة باستخراج بطاقة العائلة الأصل، كما يمنع المطلقة من استخراج جوازات سفر لأبنائها، إضافة لمنع الأبناء من استخراج بطاقات أحوال إلا في حال اكتمال كافة الأوراق المطلوبة، والأب غير ملزم باستخراج هذه الأوراق، فالمسألة تخضع لمزاجه. سيدة تبحث عن أوراق ثبوتية لرعاية أبنائها وأشارت إلى أن الأبناء لا يستطيعون ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وفي هذه الحال، فكل حياتهم ودراساتهم وسفرهم مرتبطة كليا بهذه الأوراق، فكم من طالب حرم الابتعاث بالرغم من ارتفاع معدله الجامعي وذلك لعدم امتلاكه لجواز سفر، ولا يستطيع استخراج الجواز إلا بموافقة والده بالرغم من انه يملك بطاقة أحوال خاصة به، أعود وأقول إن النظام قد أعطى للأب الحقوق كاملة حتى لو سلبها ظلماً وانتقاماً من أبنائه بسبب والدتهم، لابد أن يعاد النظر في النظام، وان تكون هناك لجنة في إدارات الأحوال والجوازات وغيرها ذات العلاقة تدرس الحالات المعروضة عليها على حدة، وان تلزم والد الأبناء باستخراج الأوراق الثبوتية، لأن الأبناء في الواقع مواطنون يتمتعون بكل ما كفلت لهم المواطنة من حقوق وما عليهم من واجبات. هجرنا وأوقف راتبي وقالت «د.أمل» (طبية نساء وولادة) ذقت الأمرين من سوء المعاملة وهدر حقوق أبنائي الثلاثة طيلة الثمان سنوات التي أقمت فيها ببيت الزوجية، إلى ان وصلت إلى طريق مغلق وبعدها سافرت لأهلي بإصرار من زوجي وبقيت هناك، على ان يعود بعد أسبوعين كما اتفقنا لأخذي إلى الدمام مقر إقامتنا وعملي، وقد احتفظ بجميع الاوراق الثبوتية لأبنائي، ولم يعد زوجي ورجعت إلى الدمام بعد ان استنفدت إجازاتي لأباشر عملي من شقة مفروشة اسكن بها مع أمي وأبنائي الثلاثة على مقربة من مقر عملي، ورفعت قضية ووكلت محامياً ولم أطالب فيها إلا بالأوراق الثبوتية لأبنائي منذ ما يقارب سبع سنوات، علما بان القاضي حكم لي بالحضانة لكنه استأنف الحكم ثلاث مرات واستدعاني بالشرطة وأوقف راتبي، وعندما بلغ ابنائي سن الدراسة تم تسجيلهم بشهادة الولادة، وبعد عدة محاولات لم يضف إلا ابنتي الكبرى، وحاولت التفاهم معه وديا بشأن إضافة الأولاد إلى دفتر العائلة وتسليمي صورة منها لكن دون جدوى، والآن القضية في المحكمة معلقة، وبقاء أبنائي في صفوف الدراسة مرهون بالأوراق الثبوتية، وتطالب المدرسة بالأوراق الثبوتية هاتفيا وكتابيا لكني لا أرد عليهم إلا بالتسويف، فمستقبل أطفالي مرهون بورقة من أب هجرني من أكثر من سبع سنوات. رأي القضاء وأوضح القاضي في وزارة العدل عبدالله البهلال أنه في حالة رفع المرأة دعوة قضائية ضد أب أبنائها مطالبة بالأوراق الثبوتية للأبناء، فإنه يحدد جلسة يتم فيها استدعاء الزوج بعد حصولها على حق الحضانة، وفي حال عدم حضور الزوج يعمد القاضي إلى كتابة خطاب موجه للأحوال المدنية لتمكين السيدة من الحصول على نسخة مصدقة لبطاقة العائلة -أي نسخة من المعلومات المحفوظة بمركز المعلومات-، ويفترض سرعة تسليمها حتى تتمكن من تسيير أمورها الحياتية كإلحاق الأبناء بالمدارس، مؤكداً على ان دعوى استخراج الأوراق الثبوتية تختص بالمحاكم المستعجلة وغير خاضعة للتمييز، منبهاً من حساسية قضايا الأحوال الشخصية. وأشار إلى أن الدعاوى بين الزوجين من المفترض ان تكون أكثر خصوصية دون تدخل محام او معقب، وهذا لعدة أسباب، منها إمكانية حل المشكلة بالصلح، وسرعة إصدار الحكم، وفي حالة لجوء المرأة للاستعانة بالمعقبين في قضايا الأحوال الشخصية فإن الأمر يزداد سوءاً، لأن المعقبين غير مرخصين، ولا ينتمون لأي لائحة أو نظام يعرضهم إلى الفصل أو التأديب في حالة الإخلال الوظيفي، كما أنهم يطلعون على أدق التفاصيل الأسرية في قضايا الأحوال الشخصية، وهذا لا يخدم القضية بل يعقدها. وشدد القاضي البهلال على حضور»الأصيل» أي المرأة بنفسها، على ان توضح كتابةً ابرز ما تود علاجه قضائيا، حتى يسهل على القاضي حصر المشكلات دون أن تتفرع إلى قضايا تشهير، مما يطيل الجلسات ويؤخر الحكم، وهذا ليس في صالح المرأة. وعن الثقافة القانونية للمرأة، قال القاضي البهلال إن الكثير من القضايا التي تعرض علينا تعطل بسبب تداخل المشاكل والأحكام، وهذا بسبب جهل القضايا القانونية القائمة والمقاطعة في اثناء الجلسات، وهنا يجد القاضي نفسه امام العديد من الدعاوي التى يلزم إثباتها، وهذا من ابرز مسببات تطويل القضية التي قد تصل الى ثلاث سنوات. حق إثبات الشخصية وتحدث المحامي بندر المحرج عن هذا النوع من القضايا، فقال إن المرأة المطلقة والأرملة والمعلقة -وأحياناً من تعيش مع زوج يقيم في غير البلد الذي تقيم فيه الزوجة- تحتاج إلى هوية وطنية لها ولأبنائها كي تقوم بواجباتها تجاههم واحتياجاتهم، ومنهن الفتيات اللاتي يخطبن سواء من بلغت منهن 18 عاماً أو منهن أقل وبالذات القاصرات. وأضاف: ومن هنا أقترح إصدار تشريع يعطي المرأة السعودية المتزوجة حق الحصول على بطاقة عائلة متى تقدمت بطلب ذلك بعد إثبات صفتها بموجب بطاقتها الوطنية دون اشتراط موافقة أحد، على أساس أن حصولها على نسخة من بطاقة العائلة هو جزء من إثبات شخصيتها وأداة تقوم من خلالها بواجباتها تجاه نفسها وأبنائها، على ان يسري النظام على الحالات التي تسبق صدور التشريع. وأشار إلى أن من المهم إلزام جميع القضاة في قضايا الأحوال الشخصية بتسليم المرأة المستند الذي يمكنها من القيام بواجباتها تجاه نفسها وتجاه أبنائها لحين الانتهاء من القضية، مضيفا أنه من المهم تهيئة إدارة الأحوال المدنية بالكفاءات البشرية والإمكانات المادية للقيام بإنفاذ هذه المهمة، سواء مباشرة مع المرأة التي تطلب الحصول على بطاقة الهوية المدنية، أو مع المحاكم بشكل فاعل وسلس يحقق الغاية من هذا النظام المقترح.