تسلك مسارا تعتقد أنك قادر على التحكم فيما سيري به، أو سيكون داخل ذلك المسار. تعتقد جازماً أنك تعرف جميع تفاصيله، وأن أي نقطة على خريطته سبق وأن درستها، وأشبعتها تذكيرا. النظرة الشمولية العامة التي تعودت عليها كغيرك ممن حولك، والتي هي نتاج تربية عامة، ومفردات مجتمع كامل تظل تأشيرة الدخول إلى هذا المسار. وأنت تحاول أن تطرق أبوابه لا تفكر على الإطلاق أنها قد تكون مغلقة تماماً، وأنها غير قادرة على استقبال قادم جديد. تعتبر كل ما تريده واقعاً، وأن كل الطرق تؤدي إلى روما كما يقال رغم أن الأمر لم يخرج بعد عن صيغة الحلم. تحلم، وتحلم، وتقيم صيغة تحالف مع الحلم، وكأنك تريد أن تقول إن تفعيله داخلياً لا يمكن أن ينطلق بعيداً عن فكرة عدم تحقيقه، أو أنه مجرد حلم من الممكن أن يكتفي بالاستكانة داخله. هو مجرد حلم في الأصل من الممكن أيضاً أن لا يحالفك الحظ وتستقر واقعاً على أرضه. ومع ذلك نحن دائماً لا نتوقف أمام فكرة أن كل الأمور هي في الأصل لا تخرج عن نطاق الحلم، ليس بالضرورة أن تحدث ملامح حقيقية من الممكن الإمساك أو الإحساس بها. في الرغبة عند الدخول إلى مسار حياتي ما عليك أن تقتنع أن الأمور من الممكن أن لا تسير كما تريد، أو كما حلمت بها، أو كما خططت لها، أو كما اعتقدت في خيالك أنها هي. من الممكن أن لا تسير حسب تفاصيل الصورة التي رسمتها أمامك وحسب الخريطة الجغرافية التي قررت أن تسير عليها. ومن الممكن أن يكون المسار مفتوحاً، لكنه غير قادر على استيعابك وغير قادر على فتح أبوابه لك رغم ذهابك إليه. ستقول إنك قد تبتكر الطريق الجديدة التي توصلك إليه وقد تخلق الوسائل المختلفة التي تساعدك على عدم الفشل، لكن لم تفكر على الإطلاق في تلك الساعة التي أمامك وهي ساعة الأفق المفتوح، التي لا يمكن ملامستها، والتي رغم رؤيتك لها، ومحاولتك الاقتراب منها، إلا أنها ضاقت بك، وبرغبتك في الوصول إليها. بين ما تحلم به، وبين ما هو واقع حقيقي تركض، ولكن لا تستوعب حقيقة أبعاد هذا الركض. ولا تستوعب أن هناك دائرة مغلقة لا يمكن فتحها، وليست هي الطريق الأرحب الذي يمنحك الانطلاق، واستمرار الركض لتكريس تجربتك التي تعتقد أن الحجر الأساسي هو إيمانك بتحقيقها رغم كل مؤشرات الفشل التي أمامك. كان عليك أن تكثر من طرح الأسئلة وأنت في بداية تكوين الحلم. وكان عليك أن تؤمن أن هناك عدة قيود ترفض دائماً احتكار الحقيقة المطلقة، والاعتماد على ملامسة سعة الأفق، والقابلية المفرطة للتخلص من كل ما هو معتاد. وكان عليك أن تتأكد أنك ستفقد الكثير من توازنك وسيظل مفقوداً لفترة طويلة نتيجة ما حلمت به ولم ترسم في مخيلتك يوماً أنه وذاك الذي لن يأتي إليك ولن يأتي. من الرائع أن تظل متمسكاً بالأمن، وبالتفاؤل وتحمله معك إلى نهاية النفق. ومن الرائع أيضاً أن يكون هذا التفاؤل هو روح الممارسة لكل تلك الأماني التي لا تزال داخلك شاملة كما هي ومتكاملة وتحمل الرغبة في الوصول وتغيير ملامح هذا الواقع الذي لو كنت تلك أمره لانطلقت بعيداً عنه محاولاً أن لا تصغي إليه، وأن لا يكون مداه هو الذي يحاصرك. المساحة واسعة أمامك هذا صحيح، والأفق مفتوح، لكن كل ذلك أنت لا تمتلكه، ولا يمكنك أن تقفز عليه أو داخله والسبب أنه كان عليك أن تتعايش مع مفهوم صحيح ومؤلم في نفس الوقت وهو (ليس كما تريد تنتهي الأمور دائماً).