ثمة مكان في العالم ميزته الوحيدة أنك لا تُرى فيه، ولا يمكن أن يتسطح الأفق داخله، أو يمتد ليلمحه من يقف بجانبك. ثمة مكان قريب منك لن يسألك أحدهم وأنت تقف، أو تجلس فيه إلى أين أنت ذاهب؟ أو هل أنت مسافر معهم، أو دون أحد؟ ان التقاك فيه لن يتجاسر ويسألك ان كنتما مرتحلين معاً: أين تقيم في المدينة التي تصل إليها؟ ولماذا تسافر؟ هل لديك عمل؟ هل هي فسحة؟ وأنت تستمع إليه قبل أن تغادر تعتقد أنه ذلك الكرت الذي يضاف إلى الجواز ملحقاً به ليحدد أسباب زيارتك. ثمة مكان أنت تصبح فيه المالك الشخصي له والمتنفذ لتفاصيله، والمهيمن على مساحاته. ستؤول إليك تركة هدوئه، وأحلامك المبعثرة، ووقتك المهدر، وهدوؤك الغائب. لن يرتحل إليك داخله الباحثون عن خبايا غيرهم، ولا المتلهفون داخل الطرق المفتوحة. لن تجد الآخر داخله الذي ذاب في الأسئلة واستلهم نهاره من تفاصيلها وأجوبتها. إحداههن مطلقة حديثاً تسألني أين تجد تلك المدينة التي لا يراها أحد داخلها؟ وأين تجد مكاناً ترتكن فيه وتصبح هي فقط صاحبة المكان؟ أين تصبح الشخص الهامشي في اجتماع اسئلة لا يحتضن أياً منها العام بل ما هو خاص. لماذا تم الطلاق؟ وكم بقيتي متزوجة؟ وعدد أطفالك؟ وكم أعمارهم؟ وهل يصرف عليهم؟ وهل تزوج بعدك؟ وهل تنوين الزواج؟ وأين تعيشين؟ وهل من الممكن أن تظل امرأة دون رجل تعيش في منزل مع أطفال صغار دون رجل يحميها؟ ماذا لو احتاجت رجلا؟ كيف لها أن تقضي بقية العمر دون رجل ينظر فيما تريد، ويوفر لها الحماية؟ لماذا لا تفكرين في رجل متزوج حتى وإن كنت ثالثة أو رابعة؟ رجل يدخل ويخرج المنزل ويشعر الجيران انه موجود فقط. لماذا لا تتخيلين المستقبل عندما يكبر الأطفال ويغادرون هل ستبقين وحيدة أيضاً؟ وهي تستمتع والضوء يكسو المكان تحاول أن تحدق في الوجوه الفارغة التي تطرح الأسئلة، تحاول أن تستوعب حجم العلاقة التي تربطها بها، وتكتشف ان لا علاقة على الاطلاق، لا معرفة قوية، لا تواصل يدفع لكل هذا الانهمار من الأسئلة سوى اللقافة، ومحاولة إدارة لحظة التواجد لفرض آراء ربما شخصية، أو تسيير لعالم من وجهة نظرهم هو المثالي رغم انهم لو كانوا في نفس الزاوية لتعاملوا بطريقة مختلفة. في خضم هذه الأسئلة تجد نفسك ومدينتك الخاصة التي بحثت عنها والتي لن تُرى داخلها والخالية من الأسئلة مدينة الاستقلالية في التواجد، مدينة كل الأوقات التي تملك نفسها ولا يملكها الغير، مدينة لا يكون الحديث فيها عنك أو عنهم، أو إلى أين أنت ذاهب أو عن ماذا تبحث؟ أو تخطط؟ ولكن مدينة الأفضل لك ولي، مدينة الصمت فيها، وتنويرك الداخلي وهدوؤك هو ما تمتلكه حتى لو وُجد الآخرون لأنهم سيجدونه أيضاً. مدينة الآخر، ومدينة الباحثين «مدينة الظلام» التي يُعمم فيها احساس مفتوح لا يحمل نهاية المدى، أو المطاف، أو الضجر، أو التفتيش عن ما تريد أن تقوله.