أعرف صديقاً يعمل في تنظيم الدورات التدريبية. وكان عندما يعلن عن تنظيم دورة ما ويكتمل العدد المستهدف للاشتراك فيها يقوم باستئجار قاعة فندقية لتقديمها. كان جل العائد المادي من عمله يذهب لدفع الإيجار، ليكون الفندق في النهاية هو الرابح الأكبر. فكر صاحبنا منذ سنوات في كيفية تخفيض التكاليف لتكون الرسوم منصفة له وفي متناول أيدي المتدربين. هداه تفكيره حينها إلى إمكانية استئجار المدارس الحكومية؛ فالمدارس، عادة، مصممة كمواقع مثالية للتدريب والتعليم. وهي، فوق ذلك، وهذا هو الأهم، خالية مساء. توجه صاحبنا إلى مدير إحدى المدارس عارضا عليهم اقتراحه. أفاده المدير بان عليه مراجعة وزارة التربية والتعليم فهي صاحبة الصلاحية. ذهب الرجل إلى الوزارة وهو يظن بأنه لا يمكن أن يرفض عرضه. هناك، أبدى التزاما بدفع مقابل مجز لقاء الانتفاع بمبنى في الأوقات التي لا ينتفع فيها به احد. لا حاجة للقول كم كان صاحبنا مخطئا في ظنه. عدم التجاوب مع ذلك الطلب لم يكن مفاجئا بالنسبة لمن يعرفون كم إن البيروقراطية قد تغلغلت في النسيج الداخلي للإدارات الحكومية. طبقة اثر طبقة من التعليمات والتعاميم كبلت الصلاحيات حتى أصبح اتخاذ قرار صائب كالاستفادة من عائد إيجار عدة فصول دراسية في الفترة المسائية ، في مدرسة ما ، يأخذ من الوقت والجهد ما كان يمكن صرفه في أمور أكثر أهمية وجدوى من البحث في نظامية تأجير مبنى خال. اتخاذ قرار تأجير تلك المدرسة ما كان يجب أن يذهب إلى أبعد من مكتب مديرها؛ فمدير المدرسة هو المتواجد في الموقع وهو الأكثر دراية بما هو أصلح بالنظر إلى حالة مدرسته. إعطاء المدير تلك الصلاحية لا ينطوي عليه أي محاذير، إذ ليس بإمكان المستأجر أن يقوم بإجراء أي تغيير في المدرسة. العائد المالي من الإيجار يمكن استغلاله بنفس الطريقة التي يتم فيها استغلال عوائد المقصف المدرسي الذي تستفيد منه المدرسة، وفق ما يراه مديرها. إذ لا يخفى أن كثيراً من المدارس تعتمد على عوائد المقصف في تجهيز جمعيات الأنشطة وفي إصلاح ما لا يمكن الصبر دون إصلاحه. الفكرة بسيطة وقابلة للتطبيق ، ويمكن وضع كثير من الضمانات والشروط التي تكفل سلامة عملية التعاقد بما يضمن ألا تتأثر العملية التعليمية التي تنهض بها المدرسة. لو كنت مكان وزارة التربية والتعليم لروّجت لتأجير المدارس وليس العكس.