شكل العام 2009 جبهة تحدٍّ أمام القطاع العقاري في السعودية، وذلك لتجاوز آثار الأزمة المالية الاقتصادية، حيث سعى إلى تعزيز دوره في الاقتصاد الوطني، من خلال تنمية المشاريع العقارية في التطوير والبناء، في ظل ضخ الحكومة استثمارات في القطاع من خلال تنفيذ مشاريعه المختلفة. وواصلت أسعار مواد البناء والإنشاءات كالحديد والأسمنت تراجعها في السوق السعودية، التي بدأت مع اندلاع الأزمة العالمية وما تبعها من ركود اقتصادي عالمي وتراجع بمستويات الطلب على السلع الأساسية ومنها مواد البناء، حتى بلغت نسبة الانخفاض في بعضها أكثر من 50 %. ويعتبر السوق السعودي سوقاً ضخماً إذ يقدر حجمه ب 1.4 تريليون ريال تقريباً، فيما بلغت إجمالي القروض التي قدمها صندوق التنمية الصناعية لأنشطة البناء والتشييد أكثر من 24.3 مليار ريال بنهاية العام الماضي، وهو ما يمثل 32 %من إجمالي القروض التي قدمها الصندوق لمختلف القطاعات الصناعية. ووفق بيانات صدرت عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات فان أسعار الصلب المستخدم في الإنشاءات في المملكة تراجع 55% في العام حتى نهاية يونيو الفائت، كما تراجعت أسعار الأسمنت 7 % بنهاية الشهر نفسه مقارنة بمستوياتها قبل عام وسجلت انخفاضا قدره 1.9 % عن مستواها في نهاية 2008. وجاءت تلك البيانات بعد اتخاذ خطوات في وقت سابق تنطوي على إنهاء مشروط لحظر صادرات الصلب والأسمنت الذي استمر مدة عام تقريبا بعد أن ارتفعت تكاليف البناء إلى مستويات قياسية العام الماضي. وبلغ سعر الصلب في السعودية 2256.9 ريالا للطن في نهاية يونيو مقارنة ب 5021 ريالا في يونيو 2008 و2076.5 ريالا في نهاية ديسمبر. وكانت أسعار الصلب قد لامست مستوى قياسيا عندما سجلت 5046.2 ريالا للطن في يوليو 2008. ووصل سعر الأسمنت إلى 13.63 ريالا للكيس زنة 50 كيلوجراما مقارنة ب 14.65 ريالا قبل عام و13.9 ريالا في نهاية العام الماضي. وعززت طفرة تكاليف الإنشاءات المخاوف بشأن جدوى مشاريع كثيرة في المملكة في وقت أحجمت فيه البنوك عن منح مزيد من الائتمان ولاسيما للقطاع الخاص في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي. وساعد ذلك على التخفيف قليلا من ضغوط التضخم في المملكة رغم وجود عجز في قطاع الإسكان يقدر بنحو مليوني وحدة. وتأثر قطاع البناء بالأزمة المالية، وتراجع قيمته بنسبة 0.2% عام 2008، بحسب تقرير صدر عن مؤسسة مراقبة الأعمال الدولية، وقدر أن نسبة التراجع ستزداد في نهاية العام الجاري لتصل إلى 0.7 % لتقتصر قيمة القطاع على 72.57 مليار ريال سعودي. وذكر التقرير أن النمو في قيمة القطاع لن يحصل قبل عام 2013، عندما ستتوسع بنسبة 3.7 في المائة. ويبقى مشروع البناء الأهم للقطاع هو الخط الحديدي الجديد بين المدينة ومكة، الذي يمتد على طول 444 كم. وتقدر تكلفة المشروع ب 6.8 مليار ريال. وتعتبر مشكلة التمويل أهم التحديات أمام المطورين العقاريين في السعودية، وذلك بعد تأثر قوالب التمويل العقاري في العالم، خصوصاً في ظل الأضرار التي أصابت الجهات التمويلية العالمية، ما قد يدفع العقاريين إلى إعادة اللجوء إلى عمليات الإقراض من صندوق التنمية الصناعية الذي مول أكثر من 577 مشروعاً صناعيا للبناء والتشييد تمثل 27 % من إجمالي عدد المشاريع التي أقرضها الصندوق. ويعد قطاع البناء والتشييد بمختلف أنشطته من القطاعات الإستراتيجية في الاقتصاد الوطني، حيث يشكل ركيزة أساسية لقيام مختلف الصناعات والأنشطة التنموية. وعكف الصندوق منذ أكثر من ثلاثة عقود، على دعم جهود تنمية وتطوير هذا القطاع، بما يتوافق مع خطط التنمية، ومع احتياجات السوق في كل مرحلة من مراحل تطور الاقتصاد الوطني. ولخّص تقرير صدر عن صندوق التنمية الصناعية الإستراتيجية التي اعتمدها الصندوق في دعمه لهذا القطاع بما يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وبين متطلبات القطاع وطاقته الإنتاجية واحتياجات المستفيدين من مخرجاته. مؤكداً أن الهدف النهائي من هذه السياسة هو ضمان استقرار أسعار منتجات هذا القطاع بما يضمن استمرار مسيرة التنمية. وأفاد التقرير أن الصندوق يقوم بدرس وتقييم وضع القطاعات الصناعية المختلفة بشكل دوري، كما يقوم بمراجعة السياسات المنظمة لإقراضها، ويعتمد معايير جديدة للإقراض بما يتوافق مع متطلبات وأوضاع كل قطاع، حيث يتم ترشيد أو حجب التمويل عن مشاريع القطاعات التي تشبع بها السوق المحلي والعكس صحيح. وحظيت الصناعات المساندة بصورة مباشرة لقطاع البناء والتشييد في المملكة مثل صناعات الأسمنت ومواد البناء والحديد باهتمام ودعم الصندوق منذ بدايته، مما جعله يضطلع بدور محوري في النهضة العمرانية التي شهدتها وتشهدها المملكة. وبناءً عليه وتأكيداً على دور الصندوق في حفظ التوازن بين العرض والطلب في سوق قطاع البناء ومن ثم توازن الأسعار، ابتداءً من السنوات الأولى التي أعقبت إنشاء الصندوق وهي الفترة التي توافقت مع خطة التنمية الثانية (1975 - 1979)، حيث كانت هناك حاجة واضحة لإنشاء العديد من مصانع مواد البناء والتشييد، إذ إن تلك الفترة شهدت عملية تأسيس البنية التحتية للبلاد، لذا فقد وجه الصندوق أكثر من 63 % من قروضه في تلك الفترة للمصانع العاملة في الصناعات الإنشائية، وهي الجهود التي ضمنت استقرار سوق وأسعار مواد البناء خلال تلك المرحلة الحاسمة. وخلال خطة التنمية الثالثة (1980-1984). ويعد قطاع البناء والتشييد أكثر القطاعات تفاعلاً مع الفورة التي شهدها الاقتصاد الوطني منذ العام 2003، إثر تحسن أسعار النفط، مما ضاعف الطلب على خدمات ومنتجات قطاع البناء والتشييد. وقاد ذلك إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار مواد البناء نتيجة لضعف قدرة المشروعات الوطنية على تلبية الزيادة في الطلب، وكذلك ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج (في السوق العالمي) التي تدخل في تصنيع الكثير من منتجات هذا القطاع. وتفاعلاً مع تلك التحولات. وعلى الرغم من تعدد الأنشطة التي تندرج ضمن قطاع البناء والتشييد، فهناك أنشطة أكثر أهمية وتحظى بوزن استراتيجي داخل هذا القطاع، أعطى الصندوق أولوية خاصة لها، ومنها الأسمنت والجبس وحديد التسليح والسيراميك والزجاج والخرسانة الجاهزة والخرسانة مسبقة الصنع. كما حظي نشاط إنتاج الحديد والمعادن الإنشائية (ومنها حديد التسليح وهياكل المباني المعدنية والأنابيب والأبواب والشبابيك المعدنية) بالحصة الأكبر من إقراض الصندوق لقطاع الإنشاء، حيث خصص له نحو 37 % من إجمالي حجم القروض المقدمة للقطاع منذ إنشاء الصندوق، وحل نشاط إنتاج الأسمنت ومشتقاته (ومنها الاسمنت البورتلاندي والأبيض والجبس) في المرتبة الثانية وحصل على 35 في المائة من إجمالي القروض. وكل من نشاطي إنتاج الأسمنت والحديد يصنفان على أنهما كثيفا الاستخدام لرأس المال. في حين حلَّت أنشطة إنتاج مواد البناء الأخرى (ومنها منتجات الخزف والزجاج والفخار) في المرتبة الثالثة بنسبة 20 % من إجمالي إقراض الصندوق لهذا القطاع، ثم حلت في المرتبة الرابعة مشروعات إنتاج مواد البناء من المواد غير المعدنية (ومنها الخرسانة الجاهزة والخرسانة مسبقة الصنع وبعض منتجات البلوك) بحصة بلغت نحو 8 % من إجمالي إقراض الصندوق. وشهد قطاعا الأسمنت والحديد في السوق الوطني نمواً كبيراً في الطلب والأسعار خلال السنوات القليلة الماضية، والذي يُعزَى لأسباب كثيرة في مقدّمها نمو الطلب العالمي والإقليمي والمحلي، وهو ما قاد إلى ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج في هذه الصناعات، خصوصاً صناعات الحديد، كما وأغرى أيضاً بعض المنتجين المحليين لزيادة حجم صادراتهم، فضلا عن الطفرة المفاجئة في احتياجات السوق التي نتجت بشكل أساسي عن طفرة أسعار النفط والإيرادات العامة، في الوقت الذي لم تكن الكثير من المصانع المحلية قد بدأت بعد في تنفيذ عمليات توسعة طاقاتها الإنتاجية، كل هذا قاد إلى موجة الصعود في أسعار منتجات هذين القطاعين في السوق المحلي. ويتجلى دور صندوق التنمية الصناعية في الحفاظ على توازن أسواق قطاعات الإنتاج المختلفة بما يتوافق مع متطلبات خطط وبرامج التنمية، ففي بعض المراحل أعطى أولوية خاصة لمشروعات البناء والتشييد، وفي مراحل أخرى تراجع ترتيب هذه المشروعات حيث حظيت مشروعات وقطاعات أخرى بالأولوية، كل هذا توافقاً مع متطلبات كل مرحلة ومع احتياجات كل قطاع، فالهدف النهائي هو الحفاظ على توازن بين مخرجات القطاع وبين متطلبات السوق، وأسعار المنتجات للمستهلك النهائي وهو المواطن، وما ذُكر بالنسبة لقطاع أو صناعات مواد البناء، ينطبق على قطاعات الإنتاج الصناعي الأخرى. وتواصل السعودية خطتها الطموحة في أحد المشروعات الضخمة التي تهدف إلى بناء ست مدن اقتصادية تستوعب نحو 2.5 مليون نسمة، إذ يتوقع أن تسهم بنحو 150 مليار دولار من إجمالي الناتج القومي السعودي فضلا عن توفير 1.5 مليون فرصة عمل بحلول العام 2020. وكشف تقرير أصدرته "ديلويت" الشرق الأوسط بعنوان "قطاع البناء في دول مجلس التعاون الخليجي- 2009"، الذي تضمّن تحليلاً حول قطاع البناء في أسواق دول التعاون الخليجي، كشف عن تصدّر قطر والمملكة العربية السعودية وأبوظبي قائمة دول مجلس التعاون الخليجي في قطاع البناء. إذ تقوم دولة قطر باستخدام عائداتها من الغاز الطبيعي لتمويل الاستثمار في البنى التحتية والتطوير العقاري. أما في السعودية، فإن عدد السكان المرتفع، وانحسار الطلب على العقارات، والميل إلى تنويع النشاط الاقتصادي، بعيداً عن النفط، كانت كلّها عوامل ساهمت في تطوير قطاع البناء في المملكة، إذ تواجد فيها حوالى 50% من مشاريع التطوير العقاري في الخليج.