تعجبت من العلاقات العربية البينية، فهي كما المتاهة من الممكن أن تعرف بدايتها دون أن تعرف كيف تخرج منها إلى بر الأمان، فالدهاليز متشعبة ومتداخلة ومتقاطعة في بعض الأحيان. والمثال حي يرزق بين أيدينا والمتمثل في تداعيات مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر المؤهلة لنهائيات كأس العالم والتي كانت بمثابة صدمة للشارع العربي ليس الرياضي فقط وإنما بجميع الأطياف والانتماءات، فما حدث يعطي دلالة قوية على (هشاشة) العلاقات التي وضح تماماً أنها قابلة للانكسار لأتفه الأسباب، كما وضح حالة الاحتقان غير المبرر التي يعيشها الشارع العربي، نحن لا نقول إننا أمة متكاملة ولكن كنا نقول إننا لسنا أمة هشة تنتظر حدثاً غير ذي قيمة حتى يتفجر (الدمل) ويخرج صديداً ودماءً ملوثة يرفضه الجسد العربي السليم ولا يقبل بوجوده أساساً. إذاً لماذا كل هذا التوتر والشد العصبي وكأن تأهل فريق عربي على حساب آخر إلى نهائيات كأس العالم هي نهاية المطاف، وكأنها كارثة ليس بعدها كارثة، بل إننا في لحظة من اللحظات سمعنا طبول الحرب تقرع وتخيلنا(داحس والغبراء) قد عادت بكل تفاصيلها، إذاً فهي العودة إلى الجاهلية وإلى حكم السيف والرمح دون القرطاس والقلم، حتى القرطاس والقلم تم توظيفهما من أجل خدمة (المعركة)، سمعنا أصوات نشاز تؤجج ولا تهدئ، تصب النار على الزيت بدلاً من الماء على النار، ولا أدري لماذا؟ هل هو محاولة في التباري من كل جانب ليثبت أنه يحب وطنه وينصره ظالماً أو مظلوماً.. هل هذا هو السبب؟ كلنا نحب أوطاننا وندافع ولا نرضى لها إلا المكانة العالية، لكن دون أن ننتقص من الآخرين أو نقلل من قيمتهم لنعرف قيمتنا، الأمور لا تجري هكذا، من حق كل إنسان أن يحب وطنه وليس من حقه أن يتعدى على الآخرين من أجل ذاك الحب. ما حدث بين مصر والجزائر أو الجزائر ومصر حتى لا يفسر التقديم والتأخير على أنه انحياز، فكلاهما عينان في رأس كما بقية الدول العربية لا يجب السكوت عنه، فقد تمتد الموجة إلى دول أخرى وإن كنت أعتقد أنها لن تتجاوز ولن تكون ظاهرة بقدر ما هي انفعال وقتي لا أجد له تبريراً عطفاً على أسبابه ومسبباته. نحن في العالم العربي نبحث بكل ما أوتينا من قوة وجهد عن أسباب التضامن والتلاحم والاتحاد وهي كثيرة ومتوفرة ونملك كل أدواتها دون أن نستخدم تلك الأدوات بل - للأسف - هناك من يعمل على التعطيل ووضع العصا في الدولاب سواء من قصد أو غير قصد ولكنه بفعله هذا يعيق التقدم، وإعاقة التقدم لا تعني فقط توقف الانطلاق لكنها أيضاً الانزلاق إلى الخلف وهذا ما لا نرضاه أبداً من أجل مباراة في كرة القدم.