ناداني ابني إبراهيم بن عبد الخالق صباح يوم السبت يا خال مات علي.. كلمة صعقت سمعي وبصري وهزت كياني ولم أتماسك من هول الصدمة وعظم المصيبة ... لكنني مع كل هذا قلت إنا لله وإنا إليه راجعون ... حاولت أن أكلم إبراهيم أستوضح فلم أستطع ولم يستطع ... اكتفى بقوله ( يا خال مات علي ) نعم مات الوفاء والأدب مات النبل والكرم مات الهدوء والصدق مات الصبر والثبات مات الحياء والوعي ... نعم مات علي ... ومع موت علي ماتت راحتي وانهد ركني وشرخت حياتي والحمد لله على قضائه وقدره . رثيت ابني علي بقصيدة مطلعها : تعازونني في نور عيني وفي دمي تعازونني فيمن إذا لاح ذكره تعازونني في نبض قلبي ومهجتي ألا إنني من بعده لضريرُ تتابع مني أنّةٌٌ وزفيرُوفي راحتي إني إذاً لصبورُ أنا أعلم الناس بعلي لقد كان ملء السمع والبصر لقد كان رزيناً عاقلاً واعياً فاهماً عابداً زاهداً قدوة حسنة في كل أموره مليء حكمة ورجاحة عقل انموذجاً رائعاً للشاب المسلم إنه شاب نشأ في طاعة الله ... بلغ الأربعين من عمره لكن عقله كان أكبر بكثير من عمره ... كان قدوة للصغير وللشاب وللكبير ... كان محبوباً من الصغير والكبير ... لم تر عيني كعلي في دماثة خلقه وحسن معاملته وطهر قلبه وحسن سمته ورجاحة عقله كان صادقاً ولم يكن والله كذابا، كان أميناً ولم يكن خائنا، كان محباً ولم يكن كارها، كان صباراً ولم يكن جزوعا، كان ثابتاً ولم يكن صلوفا، كان هادئاً ولم يكن عجولا ... كان فينا كالبدر في ليلة تمامه كان وكان وكان.. أحبه كل الناس حتى الأرض التي كان يمشي عليها أخالها أحبته ... إن حب الناس ممتد من حب رب العالمين ... إنه شاب نشأ في طاعة الله فاختاره الله لجواره ... ولا أزكي على الله أحدا . جاورت أصحابي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري لقد فقدنا رجلاً عظيماً لا أستطيع أن أسعه ثناءً فمكانته في نفوسنا وحقيقة أمرنا كبيرة جداً جدا . وما كان عمرو هلكه هلك واحدٍ ولكنه بنيان قوم تهدما ياعلي بالأمس القريب وأنت تسعد خالك بندائك ياخال واليوم هذه الكلمة تهد مضاجعي تمر على خاطري فتملأ قلبي وكل مشاعري بالحزن الذي لا أطيق له حملا . فقدناك فقدان الربيع وليتنا فديناك من أصحابنا بكثير ياعلي ماأشد حرصك على الصلاة في المسجد ... فلم تتأخر ولو كنت مريضاً منذ طفولتك يا علي وأنت عليٌٌ في كل أمور حياتك لقد اختار ربك منا واسطة العقد ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولاحول ولاقوة إلابالله العلي العظيم . ياعلي لقد كنت في المجتمع قدوة وأنس مجالس ،وأنت في العمل كذلك لقد كنت مديراً لثانوية الصديق فجعلتها من أميز مدارس منطقة عسير ،ونلت شهادة من أمير المنطقة لتميزك وتميز مدرستك وأحبك وقدسك طلابها ومعلموها ،وانتقلت مشرفاً للإدارة المدرسية بإدارة التربية والتعليم ،فكنت مشرفاً ناجحاً أحبك الجميع ثم بكاك الجميع ،وماحشد جنازتك الذي لم تر عيني مثله لدليل من فيض أدلة على ذلك لقد كان يوم دفنك مظللاً بغيم ومطر أزاح عن الناس حر الشمس وغبار التراب ... وأدخلتك في قبرك فشاهدت علامات حسن الخاتمة ... لئن كانت مصيبتي فيك كبيرة فإن ما رآه الناس في منامهم عنك ليطمئن الجميع ويخفف من وطأة المصيبة ،وأن علمي بك يجعلني أشد اطمئنانا فقد علمتك شاباً نشأ في طاعة الله، كنت عوناً لي في داخل وطننا الغالي وفي خارجه على طاعة الله والخوف منه، سبحان من وهبك نفساً زكية مطمئنة وقلباً تقياً نقيا وعقلاً صفياً واعيا رحمك الله يا علي وجمعني بك في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى . ياعلي أقول لك أين كلمة يا خال التي كانت تملأ نفسي سروراً وراحةًً واطمئنانا كأني بك تقول هي باقية على ألسنة أخواني وأخواتي الذين أعلم حبهم لك ... نعم يا علي إن عزائي أنك نجم هوى من بين أنجم وأن وراءك اخوة مميزين متميزين أنزل الله عليهم وعلى أمهم الصابرة المحتسبة المؤمنة الراشدة وأولادك وأمهم وجميع ذويك ومحبيك السكينة والصبر والسلوان . وأخيراً ياعلي أقول بملء قلبي وفمي أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه أستودعك الذي هو أرحم بك منا . أسأل الله السميع المجيب الرحمن الرحيم الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد الحنان المنان بديع السموات والأرض الحي القيوم أن يجمعنا بك في الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . *مدير التربية والتعليم ورئيس المجلس البلدي برجال ألمع ( سابقا )