أخذنا زمنا قبل أن نستوعب دور إشارات المرور الكهربائية ونقبلها كي تتحكّم في سير مركباتنا . قيل إن أحد السائقين في بدايات تطبيقها خاطبها بعد أن تجاوزها قائلا :"ما وقفوني طوال الشوارب .. توقفيني أنتِ" ؟ . واعتاد الناس قبل ذلك أن يروا رجل المرور يؤِشّر بيديه .. وكلّ حركة باليد تعني ما يجب على السائق عمله . وقررت توعية إدارات المرور آنذاك طبع تلك الحركات في الصفحة الأخيرة من رخصة القيادة . لا حظوا أن تقبل الناس لحزام الأمان أخذ وقتا أقل . فقبل فرض مخالفة على من لا يلتزم به وجدنا الناس تلقائيا يلتفتون إلى الحزام . حتى إن جهاز دليل المواقع بالإحداثيات إذا لقنته الموقع الذي تقصده أعطاك رسالة تقول : اربط الحزام ، إشارة إلى فهمه الوجهة . ومما يظهر لي أن حزام الأمان جاء بفكرته طبيب عظام .. ! ، أو إنسان يفهم في الجسم وميله وتأرجحه عند ميل أو اصطدام المركبة . فلقد ركّز الحزام كما قيل على الرقبة لكونها عُرضة لكثير من العلل . وإصابتها تُبلي الجسم كله لكثرة ما فيها من الأجزاء القائمة ببُنيتها ذات الشأن المهم . فمن ذلك انكسار الفقرات وهو شديد الخطر. ومنها التواء الفقرة وهو أيضا شديد الخطر . وفي الرقبة الكثير من الأوعية الدمويّة والأعصاب المهمة . وأجد ما يدعوني إلى الاعتقاد بأن الجملة القرآنية الكريمة «تحرير رقبة " تعني الإنسان بكامله . كذلك نقرأ في الصحافة عن العفو عن القاتل من قبل أولياء الدم عبارة تقول " إعتاق رقبة القاتل فلان لوجه الله " . يقال للقسم الخلفي من الرقبة قفا ، وفي اصطلاح العامة " نقرة " بسبب النقرة التي في وسط الرقبة . ويُقال للقسم الأمامي منها " عنق " . ويتردد كثيرا في الشعر الشعبي . وكذلك مفردة " عاتق " . قال سليمان بن شريم ضمن قصيدة غزلية : - أرى سلبة العاتق الى لدّ مادرى كما سلبة العرجون في سفحة الذاري . أي إن بياض رقبتها عندما التفتت فجأة مثل بياض العرجون ( فطر برّي شديد البياض يظهر في أوقات المطر ) . مفردة رقبة بالفرنسية تأتى ( كو ) COU . فهل لذلك صلة بالمعنى العربي " ترقوة " – وليس لديّ ما يدعو إلى الجزم . لكن جاء فى المعاجم أن الَرْقَوَةُ: العظم الذي بين ثُغرة النحر والعاتق، ولا تقلْ تُرْقوَةٌ بالضم.وحكى أحد البلاغيين: تَرْقَيْتُ الرجل تَرْقاةً، أي أصبت تَرْقَوَتَه.