اندلعت في مدينة الدمام قبل عدة أيام واحدة من الأزمات التي لا تخطر على بال بشر. عندما كنا صغارا كانت هناك كتب واسعة الانتشار تتحدث عن العجائب والغرائب.برع فيها بعض المؤلفين من واسعي الخيال. في تلك الأيام لا يوجد ما يجعلنا نتحقق من صدق ما يجيء في تلك الكتب فاكتفينا بأن صرنا نقيّم قيمة الكتاب من شدة غرابة ما جاء فيه وما يقدمه من متعة للقارئ. تجاوزنا الحقيقة إلى ما وراءها. إذا عدت بالذاكرة إلى بعض تلك الكتب أرى أن معظمها أخذ فن الغرائب من كتب المؤلفين الأولين الذين تختلط في ثقافتهم الحقيقية بالخيال. حتى الآن يؤمن بعض الناس أن أمنا حواء كان طولها ثلاثين مترا، وهناك من يؤمن بأن الجن يملكون القدرة التقنية على الدخول والخروج في أجساد البشر، وهناك بعض الناس يؤمن أن عتاة السحرة يستطيعون إحضار ما تريده وقتما تريده من أي مكان في العالم. وكثير من الغرائب الأخرى التي لا زال العقل الطفولي يصدقها. كل هذا شيء مقبول لأنه موروث من تاريخ تعثر الإنسان أمام الأسئلة الكبرى التي صادفها ومازال يصادفها في حياته. الحياة مليئة بالغموض وتتطلب قدرا من الخيال لجعل هذا الغموض مقبولا ومنسجما مع الواقع. لكن أن تحدث قضية مثل ما حدث في ملعب نادي الاتفاق بالدمام فهذا مدعاة إلى إعادة النظر في صدقية الأخبار القديمة. بعد أن قرأت عن جدل الدمام سأصدق لو قالوا إن البعارين تلعب بلي ستيشن . جاء في جريدة الحياة أن طفلة في الرابعة من عمرها منعت من دخول الملعب بحجة أنها من العنصر النسائي. القضية تتعلق بتفسير قرار رسمي. يقول مدير نادي الاتفاق حسين الغامدي إن قرار منع دخول العنصر النسائي الملاعب الصادر من الرئاسة العامة لرعاية الشباب لم يحدد العمر وإنما جاء شاملا ، ويرى أن النظام صريح وواضح ودلل أيضا( مما يدل على المتابعة الدقيقة) بحادثة ظهرت في التلفزيون عندما أخرجت طفلة في الثامنة من عمرها من الملعب. سابقة قضائية يبنى عليها. أما الأستاذ عبدالهادي الدوسري مدير ملعب استاد الأمير محمد بن فهد فيختلف مع الأستاذ الغامدي لأنه يرى أن الطفلة التي لم تتجاوز السابعة من عمرها يحق لها دخول الملعب ( قمة الليبرالية). الاختلاف بين الليبرالية والمحافظين يكمن في السنوات الثلاث الواقعة بين عمر الرابعة وعمر السابعة. قام الأستاذ فهد المصيبيح مدير المنتخب السعودي أخيرا بالسماح للطفلة أم الرابعة بالدخول. انتصر الأستاذ فهد المصيبيح لليبرالية على المحافظة في هذه القضية. قد يحتج المحافظون ومن حقهم . هل يحق لمدير المنتخب تفسير القوانين وهل تفسيره ملزم معتمد التنفيذ، أم نعتبر قرار الأستاذ فهد واسطة أو تسامحا مؤقتا عشان ما يكسر خاطر الطفلة؟ في كل مرة أقرأ مثل هذه الحادثة أفكر أن أجمعها في كتاب وأعيد سيرة كتب العجائب القديمة. من يصدق أن قضية مثل هذه يمكن أن تنشأ وأن جدلا مثل هذا يحصل بين مسؤولين عليه أن يصدق بأن حواء كان طولها ثلاثين مترا وأن البعارين تلعب بلي ستيشن.