منذ الانتخابات الإيرانية الماضية، ونتيجتها المثيرة للجدل، يمكن للمرء أن يلاحظ استهداف وسائل الإعلام الإيرانية للمملكة. أي حاقد أو مغرّر به يرغب في الإساءة إلى هذه البلاد سيجد أبواب وسائل الإعلام الإيرانية وأبواب الوسائل السابحة في فلكها مفتوحة للتنفيس عن أحقاده. هذا الاستهداف مثير للاستغراب، فالحق إن المملكة تستطيع أن تخلق ما لا يحصى من المتاعب لإيران. إذ ليس سرا أن الغرب حاول مرارا أن يستميل المملكة للتشدد مع إيران وتأييد استخدام القوة ضدها إذا لم تتعامل بشفافية فيما يتعلق بملفها النووي. باستطاعة المملكة أيضا أن تعمل على تحويل مشاعر عدم الرضا، الموجودة أصلا، لدى أجزاء كبيرة من العرقيات والمذهبيات المتعددة في إيران إلى عمل يكون له تأثيره على الأرض. وتستطيع المملكة كذلك معاقبة إيران عبر استخدام علاقاتها حول العالم لعزل إيران والقيام حتى بخطوات ضدها. تستطيع المملكة عمل الكثير لإزعاج إيران، لكن المملكة لم ولن تفعل ذلك. فالدبلوماسية السعودية مشهورة بالرصانة والترفع عن الدخول في مهاترات كلامية ولا تحيد عن مبدئها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد. هذه الرصانة السعودية هي التي، فيما يبدو، قد دفعت الإيرانيين لتصعيد لهجتهم وهجومهم على المملكة. منذ أيام أطلق المرشد الإيراني الأعلى على خامنئي تصريحا دعا فيه الإيرانيين إلى استغلال موسم الحج لإظهار البراءة من الكافرين. تصريح المرشد تبعه تصريح آخر بمعنى مشابه من الرئيس احمدي نجاد، ليتبعه أيضا تصريحات أخرى لعدد من آيات الله في إيران. إيران تعلم، أكثر من غيرها، بأن موضوع التشويش والمظاهرات في الحج أمر مرفوض بحزم ليس من القيادة والشعب السعوديين فحسب وإنما أيضا من جموع الحجيج الذين أتوا من كل فج عميق لأداء نسكهم وإكمال الركن الخامس من أركان دينهم. وإيران، قبل غيرها، يجب أن تدرك بان الأمانة التي يتحملها السعوديون بشرف لتيسير حج ضيوف الرحمن وإحسان وفادتهم ينظرون إليها كمسؤولية عظمى وخط احمر لا يمكن لهم التساهل أبدا في أي أمر من شأنه تكدير راحة وانسيابية الحج والحجيج. لم تقم دولة إسلامية تحكم البقاع الطاهرة خلال القرون الماضية إلا وكانت تعد الحج كأحد مواردها المالية الرئيسية. بلادنا هي الاستثناء. فبلادنا تنفق بسخاء لخدمة الحجيج مما أفاء الله به علينا، موقنين أننا سنلقى جزاء ذلك بإذن الله يوم الدين حين نلاقي ربنا حاملين كتابنا باليمين.