تعرفت على بعض جوانب الثقافة الإيرانية في وقت مبكر من حياتي من خلال السفر الى إيران عندما كنت طالبا جامعيا. وقد كانت إيران الشاه جاذبة للسياحة من معظم دول الخليج بعيدا عن خلافات المذاهب, حيث كانت السياحة آنذاك صناعة استجمام واعدة. وتحولت مع وعود الثورة الخمينية الى صناعة جذب وإبعاد حسب تصنيفات الملالي لا تصنيفات الجذب السياحي. ومما تعلمته في تلك الأيام اني سافرت مضطرا لإيران للبحث عن مترجم من الفارسية الى العربية بسب وجود مريض يرغب في معرفة تعاليم طبيب العيون المشهور خدادوست. وفي يوم من أيام احتياجي للمترجم حضر معي احد المترجمين المؤدلجين مبكرا, واكتشفت انه لا يجيد الترجمة وإنما محترف للتدخل فيما لا يعنيه وخوض غمار أحاديث ودعوات مبتذلة وممقوتة. فطلبت منه التنحي جانبا وسألت الطبيب هل يمكن التفاهم معه بالانجليزية فرحب بذلك. فطلبت من المترجم مغادرة قاعة الكشف والانتظار في الخارج لتسوية مستحقاته. وبعد الخروج من عند الطبيب قال المترجم بنبرة فيها شيء من الحدة "أنا مود ستمال زفر". وسألته: وما هذا الدستمال الذي جعلك تشتاط غضبا؟ فأجبني: يعني أنا مو منديل مسح الدهون من الأيدي بعد الأكل (الزفر) ومصيره الرمي. فعرفت مبكرا أن الإيراني يستنكف ان يكون منديل زفر ومع ذلك يدعو ويؤجر ويحرك مناديل الزفر في كل مكان. و الأسوأ من هذا أن مماسح الزفر للنظام الإيراني لم تقتصر على السياسة فقط وانما بدأت تتطاول على مقدسات المسلمين بحجج واهية او تعسف في تفسير الآيات القرآنية. فلم يعد عند المسلمين هم في كل حج إلا متابعة غوغائية مسيرات الولاء و البراء إلى درجة ان هناك من المسلمين من يموت في تلك المسيرات وفي قرارة نفسه أن يتبرأ من غوغاء المسلمين. ومعلوم أن من ابرز قواعد الحج السلوكية: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج, ومع هذا تسير قافلة طهران وسط ضجيج من رفث وجدال مناديل الزفر الفكري. وأخشى ما أخشاه هو من ينجرف وراء هذا الانحراف عن مقاصد الحج وهي العبادة وشهادة المنافع. ومما يثلج صدر كل مسلم ما تحقق من احترافية عالية في إدارة هذا الجمع العالمي من المؤسسات السعودية أمنية كانت ام خدمية. و هناك من يدعي انه يستطيع عمل أفضل من ذلك ويعجز عن تنظيم مباراة كرة قدم او إدارة الحشود المتجمهرة بعد الهزيمة. أود أن أركز على رسالة مهمة للعالم الإسلامي لكي نتفق على أسس وواضحة لموسم الحج بأنه ركن وشعيرة تقضى في سكينة وروحانية تقربا الى الله بدءا من لبيك اللهم لبيك وانتهاء بالعودة الميمونة الى الديار والأهل. أما إذا كان الحج يبدأ (عياذا بالله) من لبيك يا من تدعو الى الفتنة بحجة البراء والولاء فنحن أصبحنا نتعامل مع غوغاء الحج لا مع عبادة الله. وعندها ندعو كما قالت العرب "إن من زرع الإحن حصد المحن". ولكن المحن في مكة وسط جموع الحجيج تطال الجميع إما في سكينتهم او دفعهم للرفث والجدال. أما الأمن فهو بأيدٍ أمينة قادرة على قطع دابر الشر ورؤوس الفتن. ومع هذا تبقى الحكمة ضالة المؤمنين لعلهم يرسخوا مفاهيم الحج الصحيحة بدلا من الصمت على ثقافة تسييس الشعائر الدينية. فهذا النوع من الجهل لا لقاح ينتظر لعلاجه مثل وباء الخنازير, إنما هي فتنة لعن الله من أيقظها, ولابد أن تدفن في مهدها إما بالحكمة او الردع حتى لا تنشغل آلامه مع مناديل الزفر.