لا شيء يحيرني في مشاهد التلفزيون السريعة سوى ارتباك المدخنين من الشخصيات العامة. لعل القراء لفت انتباههم مشهد الشخصية العامة، وأغلبها رياضية، وقليل منها سياسية، حين تأتي الكاميرا عليها وهي تدخن؛ تسارع إلى رمي السيجارة في الأرض، أو تخبئها خلف الأصابع. لم أجد المبرر حتى الآن لارتباك يحدثه ظهور صورة شخص مدخن. مما يخشى المسؤول الرياضي أو غيره حين تظهر صورته مدخناً .. التدخين في الشارع وفي السيارة وفي المكاتب الحكومية وعند أبواب المساجد. التدخين في كل مكان. ولم يحارب المجتمع المدخن أو ينبذه، إلى درجة تجعله يستحي من فعلته أمام الكاميرا. لا شك عندي أن التدخين فعل سيئ، كما لا أطيق رائحته، لكنه ممارسة عامة اليوم. وفي الملاعب الرياضية يكثر الجمهور من احراق السجائر؛ نتيجة لحالة التوتر، ما جعلنا نشاهد الكثير منهم على الشاشة. التدخين ليس معصية، ليستحي المدخن من المجاهرة بها. فهو يدخن أمام الجمهور في المقاهي وفي المطاعم. وكذلك يفعل المسؤول، من دون أن يحاسبه الجمهور أو ينبذه. فلماذا تقتصر الحال على الشاشة فقط؟ الفارق بين الشاشة والمقهى لا يتجاوز مسألة عدد الشهود. بصفتك معروفاً، فسيعرفك غالب من رآك في المقهى، أي ربما يصل الرقم إلى مائة في جلسة ساعة. فلماذا لم تستح من هؤلاء وحددت الحياء والعيب عند خط عددي معين، هو عدد المشاهدين؟ الإجابة لن تتجاوز حدود السلوكيات الفردية المتناقضة، التي تصيب غالبية المشاهير. فهي تصنع فارقاً غير موجود بين المجاهرة بالفعل أمام الشاشة ووسط الشارع؛ حرام على الشاشة، حلال في الشارع! وفي ظني أن التناقض في التعامل الجغرافي مع التدخين، دفع الجمهور إلى تناقل المشاهد "المضبوطة" من باب أنها فضيحة. وفي جانب آخر، لا علم لدي إن كان التدخين في الملاعب والمنشآت الرياضية مسموحاً؟ وذلك ما لا أظنه، لعلمي أن التدخين ممنوع في المؤسسات الحكومية. وهو منع لا يلتزم به أحد البتة. لكن ماذا عن المنع في شركة أرامكو؟ يقول أحد "الأرامكويين" في لقاء قديم "اللي فيه خير يدخن في المكتب"! ولذا نرى الفارق بين قرار حكومي يصدر بمرسوم ليمنع التدخين، فلا يطبق، وقرار مثله يصدره رئيس شركة، فلا يجرؤ على نقضه أحد. ولعل ذلك يدفعنا إلى ما هو أبعد؛ مثل أن يحال أمر إنشاء جامعة إلى شركة ارامكو، وليس إلى وزارة لا وظيفة لها سوى الجامعات. لعل في ذلك محاولة لرفع الفضيحة والحرج عن الشخصية المدخنة؛ فلا الحكومة عاتبة على التدخين في مؤسساتها، ولا الجمهور كذلك.