فجأة وبعد 10 أشهر وعدد لا محدود من النقاشات، أصبح تجميد البناء في المستوطنات ليس شرطاً مسبقاً لاستئناف المفاوضات. وفي الوقت الذي وافق الفلسطينيون على الشروع في مفاوضات إنهاء الاحتلال، عمل الشريك على تكريسه. كيف ارتفع عدد المستوطنين من 109 آلاف عند توقيع اتفاقات أوسلو قبل 16 عاماً الى أكثر من 300 ألف مستوطن اليوم؟ الى متى - كما يقول نتنياهو - سيبقى الرؤساء الأميركيون يطالبون؟ صحيح، كل الرؤساء الذي مروا بالبيت الأبيض، ومن بينهم زوج وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، تطرقوا لموضوع المستوطنات، الكلام بحد ذاته جميل، ولكن لا يمكن تغيير أي شيء على أرض الواقع. وعلى الرغم من وعود أوباما في التغيير لكن يبدو أن هذا الأمر لن يتغير. لم يسبق أن وُجدت مبادرات سلام بدون شروط مسبقة، وخصوصاً المطالبة قبل كل شيء بوقف أعمال العنف بين المُحتل والواقع تحت الاحتلال. لقد سبق أن وضع نتنياهو مبدأ خلال فترة رئاسته الأولى وهي "إذا أعطوا سيأخذون"، بمعنى آخر طالما بقيت الصدامات موجودة فلن تكون هناك مفاوضات. وتفاخر نتنياهو بأنه على عكس إسحاق رابين، أي أنه لن يدخل في أي عملية سياسية وكأنه لا وجود للإرهاب، وسيحارب الإرهاب - في اشارة الى مقاومة الاحتلال - وكأنه لا توجد عملية سلام. كيف يمكن تفسير المطالبة المستمرة من جانب وزير الخارجية افيغدور ليبرمان باشتراط استئناف المفاوضات بسحب المبادرة الفلسطينية المتعلقة بتقرير غولدستون؟ أليس هذا شرطاً مسبقاً؟ وكيف يمكن وصف "شروط الرباعية الدولية" بالاعتراف بحكومة حماس، ووقف العنف، والاعتراف بإسرائيل، واحترام الاتفاقيات السابقة، إذا لم تكن شروطاً مسبقة؟ حتى خطة "خارطة الطريق" التي أيدها مجلس الأمن قبل ست سنوات وضعت شرطين اثنين وهما: وقف العنف وتجميد البناء في المستوطنات (وتشمل ضرورات النمو الطبيعي). واشترطت كذلك على إسرائيل إزالة كل البؤر الاستيطانية التي أقيمت في بداية ولاية ارئيل شارون. وهذا البند كان مدرجاً في الفقرة الأولى من الخطة، وقبل مرحلتين أخريين، وقبل أشهر من الموعد المقرر لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي. لقد اعترف عدد من الجنرالات الأميركيين والإسرائيليين بأن الفلسطينيين التزموا الشروط المسبقة التي فُرضت عليهم. ومن الصعب أن تجد شخصاً يستطيع أن يزعم أن إسرائيل فعلت الشيء نفسه. وبدون حدوث انفجار في إحدى الحافلات لن يظهر نتنياهو بالقرب من أي من الزعماء الفلسطينيين. وقال نتنياهو في كتابه "يجب عدم الدخول في أي مفاوضات مع الإرهابيين وخاصة على الأرض التي يزعم العالم كله أنها ليست لك". الحقيقة أن نتنياهو أكد في خطابه بجامعة بار ايلان أنه يؤيد حل الدولتين للشعبين، وحتى هيلاري كلينتون علقت بالقول إن هذا رائع. منذ العام 2002 ومبادرة السلام العربية تنتظر إسرائيل، هذه المبادرة وعدت بالتطبيع فور إنهاء الاحتلال. كما أن الرئيس اوباما حث أصدقاءه العرب على منح إسرائيل شيئاً مقدماً لتهيئة الأجواء لعملية سياسية، وقد وافق الرئيس المصري حسني مبارك وقادة عرب آخرون على اتخاذ خطوات تصالحية أولية. لكنهم مثل اوباما وضعوا شروطاً أولية وهي تجميد الاستيطان في الضفة الغربية وشرقي القدس. وهم لم يطلبوا أكثر مما صرحت به هيلاري كلينتون قبل عدة أشهر، وهو الوقف التام للبناء في المستوطنات بدون سوق أي مبررات. لقد أدرك الجمهور الفلسطيني أن آمال الرئيس عباس ورفاقه قد تبددت كما هو الحال مع جميع أسلافه. ولماذا تُدخل حماس رأسها في حكومة لم تنجح في جعل الأميركيين يضغطون على إسرائيل لتجميد الاستيطان لعدة أشهر؟ لم يتبق لهم غير الانتظار أن يفرج نتنياهو عن مئات الأسرى مقابل شاليط في نفس يوم الانتخابات في الأراضي الفلسطينية. والمهم هو بلا شروط مسبقة. وإذا لم يكن لدى حماس سبب لرفض المصالحة مع فتح، وترغب في الانتظار حتى تنتهي جولة "عملية السلام" الحالية الى ما انتهت إليه سابقاتها، وتعود الضفة الغربية الى حضنها، فلها أن تطمئن لأن هيلاري كلينتون منحت الحركة سبباً كبيراً. عكيفا الدار صحيفة هآرتس