** قلت يوم أمس إن وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار عبيد مدني..لم يقدم لنا في كتابه (دبلوماسي من طيبة) سيرة شخصية فقط..وإنما قدم لنا سِفراً علمياً متميزاً وجديداً في مضمونه ومنطلقاته وفي طريقة كتابته.. ** لم أستغرب هذا..فهو مثقف..ودبلوماسي..وصاحب تجربة عريضة ويملك حساً إنسانياً فريداً في معرفة الحياة..وفي احترام الناس..وفي تقدير المسؤولية..وفي إدراك معنى الكلمة وأبعادها.. ** فقد لخص لنا مفهوم السعادة – من وجهة نظره - في كلمتين هما (الإيمان والاستقامة) وفي شعوره (بالرضا التام المتمثل في قدرته على كسب محبة الناس والفوز برضاهم وتقديرهم) وذلك هو مفتاح حياته الذي أوصله في النهاية – عن استحقاق - إلى ما هو عليه الآن.. ** وكم أتمنى أن يقرأ شبابنا هذا الكتاب..ليعرفوا كيف استطاع رجل مثله أن يحول بعض العثرات والصعاب التي اعترضته في مطلع حياته إلى نجاح كبير ليس كثيراً على أمثاله من الأقوياء بطموحهم.. وبجديتهم..ونظافة سلوكهم.. ** وبصرف النظر عن المحطات العديدة التي توقف عندها الدكتور نزار ليسجل لمحات من حياته..وكلها جميلة ومشوقة..ومحببة للنفس..إلا أن ما استوقفني كثيراً هو قوله "إن حرب أكتوبر عام 1973م وما صاحبها من قطع للإمدادات البترولية عن الولاياتالمتحدةالأمريكية..جاء بمثابة الحجر الذي ارتطم بالمياه الراكدة فلم يكتف بتحريكها بل أحدث فيها أمواجاً عاتية قلبت الموازين والمعادلات والحسابات بشكل لم يعرفه حدث من قبل" واستنتاجه بعد ذلك بأن (عمر الحضارة القائمة هو عمر البترول) ولقد كنت أتمنى لو أن الدكتور نزار أفاض في تحليل هذا الحدث المفصلي التاريخي الذي لم تنته بعد فصوله الكثيرة وقد لا تنتهي بسلام.. ** وكما قلت لكم فإن الكتاب قدم لنا فكراً استراتيجياً أكثر من تقديمه لسيرة حياة ولاسيما حين أوقفنا على تحليله للشخصية القومية وسحبها على شخصيتنا الوطنية السعودية ، وإشارته إلى كتاب ألفه بهذا الخصوص عام 1418ه.تحت عنوان "مدخل لدراسة الشخصية السعودية: تأملات في طابع الانتماء الوطني" وربطها بنظرة الإسلام للعلاقات الدولية وانعكاس كل ذلك على موضوع رسالة الدكتوراه عن "المحتوى الإسلامي للسياسة الخارجية السعودية: دعوة الملك فيصل للتضامن الإسلامي 1965/1975م" والتي حصل على تقدير أفضل أطروحة للدكتوراه لعام 1978م. ** هذا الربط بين الفكر والسيرة..هو الذي أضفى الكثير من العمق على هذا الكتاب وإن كانت الأحداث والتطورات التي أعقبت طرح فكرة التضامن الإسلامي بمواجهة المنظور القومي العربي قد ولدت في النهاية طرحاً آخر مختلفاً تعارك حوله الساسة والمفكرون والفلاسفة طويلاً..ونشأ عن مفهوم "الدولة الدينية والدولة المدنية" وكأنَّ الدين قد أصبح في مواجهة مع السياسة..بالمقارنة بين حركات التحرر الوطني التي أعقبت الخلاص من الاستعمار في منطقتنا..وبين حركات الجهاد الإسلامي المتطرف الآن..(وغداً نواصل).. *** ضمير مستتر: **(الفكر المستنير يقود الأمم للوصول للذروة والعكس بالعكس).