وفق المعطيات السياسية الفلسطينية والإقليمية والدولية القائمة اليوم ، نستطيع القول ان الانقسام الفلسطيني بين السلطة الوطنية في الضفة الغربية وبين حكومة حماس في قطاع غزة ، أضحى حقيقة سياسية قائمة ، ولم تستطع الجهود الكثيرة المبذولة محليا وإقليميا لإنهاء هذا الانقسام وتجاوز محنة التشظي في الساحة الفلسطينية .. وجاء تقرير غولدستون وما رافقه من مواقف فلسطينية عديدة ، ليضيف عنوانا جديدا من عناوين الانقسام الفلسطيني .. أي أن موقف السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية ، ليس هو سبب تجذر الانقسام في الساحة الفلسطينية ، وإنما تم استخدام مواقف الأطراف الفلسطينية المختلفة من هذا التقرير الدولي لتبرير الانقسام الفلسطيني وللحؤول دون الإسراع في إنجاز مشروع الوحدة الوطنية الفلسطينية.. ولا شك أن الانقسام الفلسطيني بكل عناوينه ويافطاته ، هو وليد عوامل عديدة وطنية ( فلسطينية ) وإقليمية ودولية ، ولكن استمرار هذا الانقسام وتعميقه في الساحة الفلسطينية وإدخال المزيد من العناوين والعوامل لاستمراره وإذكائه هو بالدرجة الأولى بسبب عوامل فلسطينية .. أي أن العوامل الداخلية الفلسطينية ، التي تشترك جميع الأطراف الفلسطينية في صنعها ، هي المسؤولة عن استمرار الانقسام الفلسطيني والأطراف الفلسطينية جميعها ، تتحمل مسؤولية استمرار هذا الانقسام الذي يضر بالقضية الفلسطينية أيما ضرر ، وهي التي تمر هذه الأيام بظروف دقيقة وحساسة وتتطلب وحدة وطنية صلبة ، حتى يتمكن الفلسطينيون جميعا من تجاوز تحديات المرحلة ومخاطرها المختلفة .. ووجود قوى إقليمية وأجنبية ، تعمل على استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية ، لا يبرر لجميع القوى الفلسطينية استمرار هذا الانقسام والتشظي.. وإن المطلوب فلسطينيا ليس إطلاق أحكام التخوين والظلامية بين القوى الفلسطينية ، وإنما العمل الاستثنائي لتجاوز محنة الانقسام وآثاره الخطيرة على راهن القضية الفلسطينية ومستقبلها .. فتقرير غولدستون بدل أن يكون محاولة حقوقية دولية ، لإنصاف ضحايا الشعب الفلسطيني في حرب غزة الأخيرة ، أضحى بفعل الانقسام الفلسطيني ، مادة لإطلاق الأحكام الجائرة بين القوى الفلسطينية ، والتشبث بأسباب الانقسام ووقائعه الميدانية .. وبعيدا عن مبررات الانقسام الفلسطيني ودواعيه المختلفة ، فإننا نعتقد أن استمرار هذا الانقسام ، يضر بمشروع التسوية والسلام الذي تتبناه السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية ، كما يضر بمشروع المقاومة الذي تتبناه حركة حماس في قطاع غزة .. وإن استمرار هذا الانقسام يضعف القوى الفلسطينية المنخرطة في مشروع السلام ، كما يضر ويضعف القوى الفلسطينية المنخرطة في مشروع المقاومة.. وإن المصلحة الفلسطينية المرحلية والاستراتيجية، تقتضي من جميع الأطراف العمل الحثيث لردم الهوة بين الأطراف الفلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني.. وإن الأخطاء والخطايا الداخلية الفلسطينية ، لا تبرر لأحد الانقسام أو الاستمرار فيه .. فالسلطة الوطنية الفلسطينية لا شك أنها أخطأت في موقفها الأول والسريع من تقرير غولدستون كما أن حركة حماس أخطأت في حملتها الإعلامية والسياسية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية ، مما ضيع من فرصة الاتفاق والمصالحة الفلسطينية في القاهرة برعاية رسمية مصرية.. فالأخطاء والخطايا بحق القضية الوطنية الفلسطينية ، موجودة لدى جميع الأطراف ، ولكن استخدام هذه الأخطاء والخطايا لتجذير الانقسام الوطني واستمراره هو الجريمة الكبرى التي ترتكب بحق قضية العرب والمسلمين الأولى في هذا العصر .. لأن من يريد التفاوض كمشروع لنيل الحقوق الوطنية الفلسطينية ، هو بحاجة إلى وحدة الشعب الفلسطيني بكل قواه وأطيافه .. لأن الوحدة الوطنية ، توفر لأصحاب المشروع التفاوضي جملة من القدرات هو أحوج ما يكون إليها في مشروع التفاوض .. وهذا ما يفعله الكيان الصهيوني نفسه .. فهو لا ينخرط في أي جولة تفاوضية مع الفلسطينيين ، إلا بتأمين جبهته الداخلية .. فهو لا يجعل من مشروع التفاوض عنوانا ومبررا للانقسام في المجتمع الإسرائيلي .. كما أنه من يريد مشروع المقاومة كسبيل لنيل الحقوق الوطنية الفلسطينية هو بحاجة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية .. لأنه لا يمكن لأي فصيل فلسطيني بوحده أن يتحمل عبء المقاومة ومتطلباتها .. لذلك فهو يحتاج إلى وقوف الشعب الفلسطيني بكل قواه وتياراته مع خيار ومشروع المقاومة . ومن يعتقد أن بإمكانه أن يحقق إنجازات نوعية في مشروع المقاومة مع استمرار تشظي وانقسام الساحة الفلسطينية ، فإنه يرتكب خطيئة كبرى بحق راهن القضية الفلسطينية ومستقبلها.. فالجميع ووفق خياراتهم الاستراتيجية والسياسية المتعددة ، بحاجة ماسة إلى وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام التي بدأت تضعف من الشعب الفلسطيني على مختلف المستويات .. فالوحدة الوطنية الفلسطينية حاجة ماسة وضرورة وطنية وقومية ملحة ، مهما كانت خيارات القوى الوطنية الفلسطينية .. وما رافق الوضع الفلسطيني الداخلي ، بعد تقرير غولدستون من تصعيد متبادل بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس ، زاد من حدة الانقسام ووفر مادة جديدة للتعبئة والتعبئة المضادة .. وهذا بدوره زاد من حالة الضعف والإرباك الفلسطيني ، فبدل أن يكون التقرير فرصة فلسطينية للضغط الدولي على الكيان الصهيوني ، أضحى فرصة للجدال الداخلي الفلسطيني والانقسام العمودي والأفقي في الساحة الفلسطينية.. وهذا كله مما يدمي القلب ويجعل القضية الفلسطينية كلها في مهب الريح.. لهذا فإننا نعتقد أن الأولوية الملحة على الوضع الداخلي الفلسطيني ، هي الإسراع في تجاوز واقع الانقسام الفلسطيني ، وتمتين الجبهة الداخلية وإطلاق حوارات عميقة بين كافة القوى الفلسطينية لبناء أسس الإجماع الوطني الفلسطيني الجديد.