مع استمرار ارتفاع أسعار الحليب ومنتجاته والمواد الغذائية وعدم انخفاضها على الرغم من انخفاض أسعارها والمواد الخام عالميا منذ أكثر من عام، كانت تأتي التبريرات بارتفاع المخزون لدى التجار وان الأسعار العالمية لسلع وأنواع معظمها لايستهلك محلياً، ويظهر أن تجارنا وشركاتنا نجحوا في إقناع مسؤولينا بذلك بل والتفاخر "العلني والرسمي" من قبل البعض بزف البشرى بارتفاع الأرباح عبر زيادة هوامش الربح للسلع المباعة والاستئثار بانخفاض أسعار المواد الخام، أما من عُرف عنه التميز "بالإدارة الناجحة لشركاته" فقد ترك الأرقام تتحدث عن نفسها لتجنب استفزاز مشاعر المستهلكين. فنتائج الشركات بالسوق كشفت حجم الاستفادة من استمرار ارتفاع الأسعار بأسواقنا وعدم مسايرتها للأسعار العالمية التي انخفضت بنسب متفاوتة، وهي تدل أيضا على حجم استفادة تجار ووكلاء المواد الغذائية والمعيشية (نتائج أعمالهم غير معلنة) من الأرباح التي تحققت حتى في ظل انخفاض بسيط لأسعار بعض السلع والوعود الإعلامية بانخفاضات قادمة لإسكات الأصوات وللخداع بانخفاض التضخم وتكلفة المعيشة لاستمرار دعم الدولة للحليب والأرز. فالجهات المختصة بمراقبة الأسعار بوزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك غفلت ولسنوات طويلة عن الاستفادة من مؤشرات التحليل المالي للقوائم المالية وخصوصا لقائمة الدخل التي توضح أسباب ارتفاع او انخفاض الأرباح وعما إذا كانت لأسباب تتعلق بتكلفة المنتج او لسوء الإدارة او لأسباب خارجة عن إرادة الشركة، فمن خلال مؤشرات التحليل المالي للشركات ذات العلاقة بإنتاج وبيع المواد الغذائية والتي حققت نموا عاليا بالأرباح مثل شركات سدافكو وصافولا والمراعي والعثيم.. وعبر تحليل الأرقام المتعلقة فقط بالنشاط الرئيس لها وللمبيعات وتكلفتها المباشرة (بدون التعامل مع إيرادات او مصروفات أخرى) للربع الثالث لعام 2009م ومقارنتها بالربع الثالث للعام الماضي 2008م نستطيع التعرف على حقيقة من أين أتت تلك الأرباح لكون الارتفاع الكبير في قيمة المبيعات كان أعلى بكثير من الارتفاع بقيمة تكلفتها، بل اتضح في بعضها ارتفاع كبير في قيمة إجمالي المبيعات وانخفاض كبير في تكلفتها مما يؤكد بان تلك الأرباح تحققت بالدرجة الأولى بالاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية ومن زيادة هامش الربح، أما حكاية النمو والتوسع وزيادة المبيعات...الخ فأثرها ثانوي إن وجد هذا العام. فشركة سدافكو استفادت من الوضع برفع أرباحها بنسبة (126%) الى (30.8) مليون ريال بالربع الثالث هذا العام مقارنه ب (13.7) مليون ريال العام الماضي ولكن إذا دققنا في الأرقام لتبين لنا أن قيمة المبيعات ارتفعت الى (266) مليون ريال مقارنة ب(246) مليون ريال العام الماضي ولكن تكلفة المبيعات انخفضت الى (156) مليون ريال عن (181) مليون ريال للعام الماضي، مما حقق للشركة أرباحا عالية رفعت نسبة مجمل الربح خلال هذا الربع الى (110) مليون ريال وبنسبة (41%) من قيمة المبيعات في حين كان مجمل الربح العام الماضي (65) مليون ريال وبنسبة (26%) وهكذا لباقي الشركات، ألا يدل ذلك على استئثار الشركات والتجار (المغيبين عن الصورة) بانخفاض الأسعار العالمية ورفع هامش الربح الذي يحصل عليه البائع عن كل وحدة مباعة! إن مؤشرات التحليل المالي تعطي للأجهزة الرقابية على استقرار الأسعار وتكلفة المعيشة دلالات واضحة عن مستوى الأسعار ومناسبتها للمستهلكين للتأكد من عدالة مجمل الربح المتحقق في النشاط الرئيسي ومدى قدرة الشركة على ضبط باقي مصروفاتها التسويقية والإدارية لتحقيق أرباح معقولة بالسوق المحلي، فليس كل خلل إداري يتسبب في خسارة الشركة يجب تحميل المواطنين به لإخفاء ذلك الخلل كما هو الحال في شركات أخرى مازلنا ندفع ثمن عدم الرقابة على مصروفاتها، وبقي الأهم: هل مازالت مبررات رفع الأسعار ومنها منتجات الألبان وتخفيض عبواتها قائمة بعد انخفاض الاسعار العالمية؟ فأرباح الشركات الكبيرة أتت من أموال المواطنين الذين لم يستفيدوا أيضا من إعلانها كمساهمين.