زفت لنا الأخبار بشرى تبوؤ جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد مكانة عالمية جديدة، وذلك بدخولهما نادي أفضل ثلاثمائة جامعة عالمية وفق تصنيف التايمز للتعليم العالي العالمي. فقد حققت جامعة الملك سعود - وفقاً لهذا التصنيف - المركز الأول عربياً وإسلامياً والمركز 247 عالمياً من بين آلاف الجامعات في العالم. جراء هذا التفوق، حظيت تلك الجامعتين بتهنئة مجلس الوزراء. ويحتم علينا المقام هنا أن نتقدم بالتهنئة القلبية الصادقة إلى تلك الجامعتين على هذا الانجاز الذي يسجل بمداد من ذهب وأحرف من نور. ولم يكن لهذا الانجاز أن يتحقق إلا بتوفيق من الله وبدعم لا محدود من ولاة الأمر حفظهم الله للتعليم العالي في المملكة. ولا شك أن لوزارة التعليم العالي الدور الرئيس في تحقيق مثل هذه النجاحات، فقد هيأت الوزارة كل سبل النجاح وفرص التقدم والازدهار لكافة جامعات المملكة، كان آخرها تدشين معالي الوزير الدكتور خالد بن محمد العنقري لبرنامج الريادة العالمية في الجامعات السعودية، وذلك من أجل تطوير الجودة النوعية في مؤسسات التعليم العالي السعودية. وفي هذا المقال نستعرض لماذا أصبحت جامعة الملك سعود عالمية وكيف أصبحت كذلك، ثم نعرج إلى عرض لمنهجية تصنيف التايمز التي من خلالها يتم اختيار الجامعات. وبهذا يكون المقال رصدا لواقع وعرضا لمسيرة انجاز دون تحيز. في البداية يجب القول إن هذا الانجاز لم يكن مفاجأة أو غير متوقع، ففي مناسبات عديدة كان معالي الدكتور عبدالله العثمان مدير الجامعة يبشرنا خيراً بأن الجامعة ستصبح عالمية وأنها سوف تحجز مقعدها في مسيرة التعليم العالي العالمي. وكان معالي المدير يراهن ولا يزال على دخول الجامعة في التصنيفات العالمية الشهرية. ولا شك أن دخول الجامعة في نادي أفضل ثلاثمائة جامعة عالمية رد قوي على المشككين في نجاحات الجامعة. فها هو تصنيف التايمز ينضم إلى تصنيف الويبوماتركس الاسباني الشهير ليدمغ قول كل مشكك في نجاحات الجامعة وموثقاً مكانة الجامعة العالمية بعيداً عن الأهواء والرغبات. أما لماذا جامعة الملك سعود دون غيرها؟ وكيف وصلت الجامعة إلى هذا المستوى، فالأمر ليس سراً بل حقيقة واضحة كالشمس في رابعة النهار، حيث بدأت جامعة الملك سعود خطتها الطموحة نحو الريادة العالمية بعد أن صاغت رؤيتها حتى عام 2030م ب «تحقيق ريادة عالمية من خلال شراكة مجتمعية لبناء مجتمع المعرفة» بكل وضوح. وهذا يعني أن تكون الجامعة أداة تمكين لازدهار المجتمع؛ وذلك بتبوؤ الريادة في البحث والإبداع، والتعليم الموجه بالبحث، وتهيئة مناخ للإثارة الفكرية والمنافسة والشراكة، وبالمساهمة في إعداد قادة المستقبل في المجالات المختلفة. كما أن الجامعة صاغت أهدافها الاستراتيجية على نحو يحقق تقدماً في التصنيفات العالمية عن طريق تقوية الجامعة بأكملها، والتميز في مجالات أكايمية محددة بحثياً وتعليمياً. واستقطاب وتطوير هيئة تدريس متميزين. وتحقيق الجودة المطلوبة من خلال تقليل عدد طلبة الجامعة وزيادة نسبة طلبة الدراسات العليا ورفع شروط الالتحاق بالجامعة. وتمكين طلبة الجامعة من اكتساب المهارات الفكرية والمهنية أثناء حياتهم الأكاديمية. وبناء جسور التواصل داخل الجامعة وخارجها مع الجامعات والشركات والمجموعات المحلية والعالمية. وتمحورت رسالة الجامعة في «تقديم تعليم مميز، وإنتاج بحوث إداعية تخدم المجتمع وتسهم في بناء اقتصاد المعرفة، من خلال إيجاد بيئة محفزة للتعلم والإداع الفكري، والتوظيف الأمثل للتقنية، والشراكة المحلية والعالمية الفاعلة»، وذلك من خلال طرح برامج أكاديمية عالية الجودة، وبالريادة في الأبحاث الإبداعية والتعبير الخلاّق، وبالمشاركة الفعالة مع المجتمع لتحقيق التنمية الثقافية والاقتصادية للبلاد. وترتكز الجامعة على قيم مستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، تشتمل على: الجودة والتميز، القيادة والعمل بروح الفريق، الحرية الأكاديمية، العدالة والنزاهة، الشفافية والمساءلة، والتعلم المستمر. ولمن لا يعرف جامعة الملك سعود، فله أن يزور الجامعة ليقف على حقيقة أن الجامعة سفينة تمخر عباب بحر العلوم ربانها معالي الدكتور عبدالله العثمان وأعضاء هيئة تدريسها قرابة خمسة آلاف عضو هيئة تدريس، وكلياتها تتجاوز العشرين مراكز بحوثها قرابة العشرين. أما الجمعيات العلمية فهي تناهز الأربعين. وتصدر الجامعة إحدى عشرة مجلة علمية متخصصة. وحتى تصبح جامعة الملك سعود رائدة عالمياً، فقد أحدثت وكالة خاصة للتبادل المعرفي ونقل التقنية. وعلاوة على كل هذا أنشأت الجامعة معهد الملك عبدالله لتقنية النانو وستة عشر برنامجاً ريادياً تنقسم إلى ثلاث مجموعات أساسية: التميز المعرفي، والشراكة المجتمعية، والريادة العالمية. ويأتي على رأس هذه البرامج برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمي للمنح البحثية المتميزة وبرنامج الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري. ولم تغفل الجامعة باب التعاون العلمي مع الجامعات العالمية والمراكز البحثية الشهيرة. ولهذا أطلقت الجامعة برنامج التوأمة العلمية العالمية ليكون بوابة الجامعة العالمية للتعاون والشراكات العالمية. ومن خلال هذا البرنامج أقامت الجامعة شراكات دولية تجاوزت ستين اتفاقية عالمية لتغطي قاطبة الأرض من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، فللجامعة شراكات مع الدول العربية والأروبية والأمريكية والآسيوية. أليس كل هذا جديرا بأن يضع الجامعة في مصاف العالمية!! فمن أراد العالمية إذاً فعليه بجامعة الملك سعود مثال يحتذى. فلهذه الأسباب دخلت الجامعة تصنيف التايمز العالمي الشهير. وهذا هو سر النجاح وهذه تلك هي وصفة التفوق. يقوم على تصنيف التايمز شركة عالمية لها مكاتب منتشرة في العديد من مدن العالم هدفها تقييم أداء وقوة الجامعات العالمية وفقاً لمعايير وأسس لا تخضع للأهواء أو الرغبات. وقد صمم تصنيف التايمز لتقييم قوة الجامعات النسبية من حيث الريادة العالمية. وتكمن أهمية تصنيف التايمز في كونه نافذة عالمية للتعريف بالجامعات التي حصلت على مواقع مرموقة على خارطة التعليم العالي العلمي. وتتم عملية التقييم من خلال عرض نتائج 600 جولة عامة و300 جولة في كل جال من مجالات (1) الآداب والعلوم الإنسانية، و(2) الهندسة وتكنولوجيا المعلومات، و(3) علوم الحياة والطب الحيوي، و(4) العلوم الطبيعية، و(5) العلوم الاجتماعية. ويعتمد التصنيف على ستة مؤشرات أكاديمية متميزة هي: المؤشر الأول: المراجعة الأكاديمية - Academic Peer Review (ووزنه 40٪). والتي تعرف باسم التحكيم الدولي، حيث يتم الحصول على النتيجة من استعراض استطلاعات مقسمة إلى الموضوعات الخمسة آنفة الذكر. في هذا العام تم استطلاع آراء 9386 مشاركاً أكاديمياً من جميع أنحاء العالم، في حين أن العدد في عام 2008م كان 6354 مشاركاً، أي بزيادة هذا العام قدرها 47.7٪، يتم اختيارهم من قواعد بيانات خاصة تسمى «العلم والعالم» (www.worldscientific.com) وتحتوي على أكثر من 180.000 عنوان بريد. الجدير بالذكر أنه لا يسمح للمشاركين تقييم مؤسساتهم الأكاديمية التي يعملون فيها، منعاً للأهواء والميل. وتطبق الأوزان من الناحية الجغرافية وذلك لضمان الانتشار والنزاهة والانضباط. المؤشر الثاني: نسبة أعضاء هيئة التدريس للطلاب - Faculty Student Ratio (ووزنه 20٪). يعطي هذا المؤشر قيمة قدرها 20٪ لأعداد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. ولهذا المؤشر أهمية بالغة من حيث التزام الجامعات بجودة العملية التعليمية، فمن المعلوم أنه كلما قلت أعداد الطلاب مقابل كل عضو هيئة تدريس فإن جودة التدريس ترقى. أي أن نسبة عدد الطلاب إلى عدد الأساتذة في الجامعة يعتبر مؤشراً على أداء الجامعة الأكاديمي وجودة التعليم. المؤشر الثالث: نسبة المراجع لأعضاء هيئة التدريس Citations Per Faculty (ووزنه 20٪) ويقصد بذلك نسبة الإشارة إلى أبحاث هيئة التدريس في المراجع العالمية، وذلك كمؤشر للأداء البحثي للجامعة. ويولي التصنيف أهمية لهذا المؤشر ويعطي وزناً قدره 20٪ للبحوث التي ينشرها أساتذة الجامعة ونسبة الإشارة المرجعية لبحوثهم في البحوث العلمية العالمية الأخرى. المؤشر الرابع: القدرة على التوظيف - Employer Review ووزنه 10٪) ويعطي هذا المؤشر قيمة لقدرة الجامعة على إنتاج مخرجات تتوافق مع سوق العمل. وبعبارة أخرى، يقيم التصنيف خريجي الجامعة من حيث قبولهم في سوق العمل. أي أن التصنيف يقيم وزناً لآراء وتقييم جهات التوظيف وأصحاب العمل لخريجي الجامعات المصنفة من حيث قدرتهم على الإبداع والابتكار والتحليل والسلوك الوظيفي. وقيمة هذا المؤشر تمثل (10٪) من القيمة العامة للتصنيف. المؤشر الخامس: أعضاء هيئة التدريس الأجانب - International Faciley (5٪). ويقصد بذلك نسبة أعضاء هيئة التدريس من خارج البلد في السلك التدريسي بالجامعة. وقد خصص التصنيف نسبة (5٪) لهذا المؤشر. فالجامعات الناجحة لا بد وأن تجذب أفضل الأساتذة والطلاب من مختلف أرجاء العالم. المؤشر السادس: الطلبة الأجانب - International Student (ووزنه 5٪) ويقصد بذلك نسبة الطلبة من خارج البلد إلى المجموع الكلي للطلاب في الجامعة. ويُعنى هذا المؤشر بالنظرة العالمية للجامعة من خلال جذب الجامعة للطلاب الأجانب للدراسة فيها دون غيرها من الجامعات المماثلة. وبهذه المؤشرات الستة يغطي تصنيف التايمز كافة جوانب العملية الأكاديمية. ويمكن القول بأن التصنيف هذا فعلاً يغوص في أعماق الجامعات ويسبر غورها ليظهرها على حقيقتها. وختاماً، يجب القول بأن هذا التصنيف وغيره ليس إلا وسيلة ولا يمكن أن يكون غاية بحد ذاته. كما أن دخول جامعاتنا في هذا التصنيف يضيف عبئاً على أعبائها، فالوصول إلى الصفوف الأولى صعب. ولكن المحافظة على الصدارة أصعب وتتطلب مواصلة العمل والسير بلا كلل. وفق الله الجميع لخدمة وطننا المعطاء. وللجميع مودتي. مشرف برنامج التوأمة العلمية العالمية جامعة الملك سعود