في موضوع سابق تحدث الباحث القانوني محمد بن عبدالعزيز المحمود عن ملاحظات كثيرة على نظام مكافحة التزوير في المملكة والذي مضى على إصداره ما يقارب نصف قرنٍ تقريباً ، وطالبنا بضرورة إعطاء القاضي صلاحية أوسع في تقدير العقوبة السالبة للحرية حتى لا يلجأ لوقف تنفيذ العقوبة. وفي هذا الإطار يقول المحمود نعني بوقف تنفيذ العقوبة تعليق تنفيذ العقوبة المحكوم بها على شرط موقف خلال مدة يعينها النظام، فهو لا يلغي فكرة الإدانة ، بل يفترض النطق بالحكم وتحديد العقوبة وفي نفس الوقت عدم تنفيذها إلا إذا تحقق الشرط الموقف خلال مدة الوقف ، وهو بهذا المعنى يُعدّ إعفاءً من الجزاء الجنائي. ووقف تنفيذ العقوبة ليس مقصوراً على جريمة التزوير؛ بل هو حكم نظامي مقرر لكافة الجرائم التي صدرت أنظمة لها كالرشوة. وقد ورد النص عليه في المادة الثانية والثلاثين من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم ( 190) وتاريخ 16 / 11 / 1409ه حيث نصت على أنه: (للدائرة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سِنه أو ظروفِه الشخصية أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة، أو غير ذلك مما يبعث على القناعة بوقف التنفيذ، أنَّ تنُص في حُكمِها على وقف تنفيذ العقوبة، ولا أثر لذلك الإيقاف على الجزاءات التأديبية التي يخضع لها المحكوم عليه. ويُلغى الإيقاف إذا أُدين المحكوم عليه أمام إحدى دوائر الديوان بعقوبة بدنية في قضية جزائية أُخرى ارتكبها خِلال ثلاث سنوات من تاريخ صدور الحُكم الموقوف تنفيذُه نهائياً( . ومن المقرر أن وقف تنفيذ العقوبة لا يصار إليه إلا عند وجود النص الدال عليه، كما أنه يعد استثناء من الأصل؛ إذ إن الأصل هو تنفيذ العقوبة المحكوم بها، ومن الثابت أن الاستثناء لا يتوسع فيه ولا يقاس عليه. ويقول المحمود إن أسلوب وقف التنفيذ جائز الاستعمال في التعازير التي هي حق لله تعالى ، ولم تكن منصوصاً عليها، ورأى ولي الأمر المصلحة في إعمال هذا الأسلوب، لكن بضوابط وشروط لا يمكن تجاوزها، فلا يمكن الأخذ به على إطلاقه، فهناك شروط متعلقة بالجريمة ذاتها والنظر إلى آثارها، وهناك شروط متعلقة بالمحكوم عليه نفسه، فلابد من وجود أسباب ثابتة تبعث على القناعة بعدم خطورته، ووجود ظروف شخصية معتبرة له، وأن فعله لا يدل على تأصل النزعة الإجرامية لديه. ومع صرامة نظام مكافحة التزوير في مكافحة أنواع التزوير وعدم التفرقة في العقوبة بين نوعي التزوير المادي والمعنوي ، فإنه من جهة أخرى نظر على شخصية الجاني في هذه الجريمة وأخذ ذلك بعين الاعتبار عند تطبيق العقوبة المحكوم بها ، إذ صدر بذلك أمر نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 7 / ه / 23517 وتاريخ 18 / 10 / 1401ه إلى وزير الداخلية بالموافقة على نظام وقف تنفيذ العقوبة المقترح في مذكرة شعبة الخبراء بمجلس الوزراء رقم 111 وتاريخ 20 / 9 / 1401ه المبني على كتاب رئيس ديوان المظالم رقم 58 وتاريخ 29 / 6 / 1401ه . كما أن وقف تنفيذ العقوبة مشروط بأمور هي : أن تكون الجريمة من الجرائم التي نص عليها ولي الأمر على جواز وقف تنفيذ عقوباتها ، وأن تكون من الجرائم الجزائية المتعلقة بالحق العام ، وألا تكون من جرائم الحدود أو الجنايات ، وألا تكون من الجرائم التعزيرية الكبيرة التي تشتد خطورتها. ويستطرد المحمود بالقول إن هناك شروط متعلقة بالجاني بأن توجد فيه صفة أو ظرف يبعث جهة الحكم إلى القناعة بضآلة خطورة المحكوم عليه وأنه لن يعود إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى . ووفقاً لأحكام المادة الثانية والثلاثين من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم فإن هذه الصفات والظروف تتمثل في ماضي المحكوم عليه، وعمره، بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي تتمثل في أخلاق المحكوم عليه وظروفه الشخصية ، وظروف ارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها، إذ تناولت هذه المادة جميع أحوال المحكوم عليه، كما نصّت على أن الضابط في اعتبار الصفة أو الظرف الباعث على الحكم بوقف التنفيذ هو قناعة الدائرة بصحة كون الصفة أو الظرف سبباً للحكم بوقف التنفيذ. وفي هذا الشان يشير المحمود أن وقف تنفيذ العقوبة لا يسري إلا على العقوبة الأصلية، أما العقوبة التبعية ( وهي العقوبة الفرعية التي تلحق المحكوم عليه بقوة النظام لمجرد الحكم عليه بالعقوبة الأصلية فلا تحتاج في توقيعها على النص عليها في الحكم ) فلا يسري إليها وقف التنفيذ، وهذا ما يفهم من نص المادة الثانية والثلاثين من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم ، والتي جاء فيها : " ولا أثر لذلك الوقف على الجزاءات التأديبية التي يخضع لها المحكوم عليه " . مع إن الأصل أن تتبع العقوبات التبعية في حكمها حكم العقوبات الأصلية. ويشرح المحمود بقوله إن وقف تنفيذ العقوبة يترتب عليه آثار منها: أن وضع المحكوم عليه أثناء مدة الوقف يتحدد وفقاً لقاعدتين : الأولى أنه في حصانة من تنفيذ العقوبة التي أوقف تنفيذها، والثانية أنه مهددُ بتنفيذ هذه العقوبة إذا ألغى الوقف، فوضع المحكوم عليه خلال هذه المدة غير مستقر، وينتابه القلق حتى تنتهي المدة المقررة نظاماً، وفي هذا فوائد كبيرة من أهمها أن يسهم هذا التهديد في إصلاح الجاني وهو ما ترمي إليه الأنظمة العقابية. كما أن من الآثار إلغاء وقف التنفيذ قبل انتهاء المدة ؛ إذ نصت المادة الثانية والثلاثين من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم على " .. ويُلغى الوقف إذا أدين المحكوم عليه أمام إحدى دوائر الديوان بعقوبة بدنية في قضية جزائية أخرى ارتكبها خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الموقوف تنفيذه نهائياً ". كما أن هناك بعض الضوابط المستقرة قضاء، وذلك مثل عدم وقف تنفيذ العقوبة في حال الحكم بأعلى من حدها الأدنى، وهذا في حال وجود حد أدنى للجريمة. إضافة إلى وجوب تسبيب الحكم بوقف تنفيذ العقوبة من أجل حقيق الرقابة القضائية على الحكم بصورة كاملة، ومحققة للعدالة. ومن ذلك يتبين أن وقف تنفيذ العقوبة إذا تمت ممارسته ضمن مجاله المحدد، وفي إطار ضوابطه الصحيحة؛ فإنه يكون عوناً في تحقيق العدالة والاستقرار في المجتمع، ويكون مكملاً للنظام العقابي في الدولة، وذلك بتلافيه للسلبيات التي قد تحصل من جراء تنفيذ العقوبة في بعض الأحيان.