اعتبر محامون وقانونيون أن وقف تنفيذ العقوبات الذي تصدره الدوائر الجزائية بحق الأشخاص المخالفين للأنظمة لا يعني إسقاط «الإدانة»، وعدم اعتبارها سابقة جنائية أو غيرها، مشيرين إلى أن وقف العقوبة يأتي في سياق تفعيل «العقوبات البديلة»، وللقاضي الحق في تقدير ما إذا كان المتهم جديراً بها أم لا. وأوضحوا في حديث مع «الحياة» في تعليقهم على حكم أصدرته المحكمة الإدارية في محافظة جدة أخيراً، وقضى بسجن متهم على خلفية كارثة جدة 365 يوماً، وتغريمه بسبب التزوير والاستعمال لإفراغ أراض في عين العزيزية مع وقف التنفيذ، لأن المتهم كبير في السن، ويعول أسرة كبيرة مكوّنة من 15 فرداً، بينهم ثلاث زوجات وأطفال، أن الحكم جاء طبقاً لنظام المرافعات السعودي. وأكدوا أن العقوبة توقف، لكنها تسجل في سجلات السوابق الخاصة بالمحكوم، مشيرين إلى أن وقف تنفيذ العقوبة هو أحد بدائل العقوبات، وتأخذ به أكثر الأنظمة القضائية. وقال أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور عمر الخولي، إنه ووفقاً لنظام المرافعات الشرعية «يحق للدوائر الجزائية في ديوان المظالم الحكم وقف تنفيذ العقوبة، على أن يصدر الوقف في جلسة النطق بالحكم في القضية المنظورة». وأضاف أن الدوائر الجزائية قد تستثني بعض الحالات، وتصدر حكماً بوقف تنفيذ العقوبة في بعض القضايا بعد إصدار الحكم بالعقوبة، لكن ذلك لا يحدث إلا في حالات نادرة. وأضاف أن «ديوان المظالم يلجأ لاستخدام هذا الحق للمحكوم عليهم ممن سيترتب وينتج من إدخالهم السجن، أضرار تفوق بقاءهم خارج أسوار السجن، إضافة إلى أنه لم توجد سوابق على المحكوم المذكور في الحكم الصادر». ولفت إلى أن المحكمة تقدّر العقوبة وتقرنها بالحكم في حال عاد المحكوم، وارتكب جريمة خلال ثلاث سنوات، حينها تطبق عليه العقوبة الأولى التي أوقف تنفيذها والثانية. وشدّد الخولي على أن إجراءات وقف التنفيذ في العقوبات تعتبر موقتة، وذلك أن «وقف العقوبة لا يعني عدم الإدانة، فإيقاف الحكم موضع التنفيذ، جرى تقديراً لظروف شخصية أو أسرية أو اجتماعية ترتبط بالمحكوم عليهم». من جهة أخرى، اعتبر المحامي عصام الجندي، أن «وقف تنفيذ العقوبة وإبقاءها سيفاً مسلطاً على المحكوم عليه في بعض الحالات، يترك أثراً أبلغ في الردع من إيقاعها». وتابع: «تقتضي الحال في بعض القضايا وقف العقوبة، نظراً إلى ما يظهر من أخلاق المحكوم عليه، أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية، أو الظروف التي وقع فيها ما استحق عليه العقوبة، وقد يكون في وقف عقوبة السجن تجنيب للمحكوم عليه الآثار السلبية التي ربما ترتبت على سجنه نتيجة إلى الاختلاط داخل السجن مع معتادي الإجرام، والتي تفوق الآثار الإيجابية لسجنه». وأكد أن وقف تنفيذ العقوبة هو أحد بدائل العقوبات، وتأخذ به أكثر الأنظمة القضائية، ويمكن الأخذ به في العقوبات التعزيرية، مشيراً إلى أن العقوبات المقدرة شرعاً هي الوحيدة التي لا مجال لطرح بدائل عنها. وأردف قائلاً: «نصت المادة ال60 من نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، على أن للمحكمة وقف تنفيذ عقوبة السجن المحكوم بها طبقاً للمادة ال48 من هذا النظام للأسباب نفسها ما لم يكن سبق أن حكم عليه وعاد إلى المخالفة نفسها، كما نصت المادة ال57 من نظام الأسلحة والذخائر على أنه يجوز لديوان المظالم ولأسباب معتبرة، وقف تنفيذ عقوبة السجن المحكوم بها من العقوبات الواردة في هذا النظام ما لم يكن سبق أن حكم عليه وعاد إلى المخالفة نفسها». وأشار إلى أنه يجوز للمحكمة المختصة لاعتبارات تقدّرها وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها في الحالات المرورية، مشيراً إلى أن المادة ال32 من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم نصت على أن للدائرة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أن تنص في حكمها على وقف تنفيذ العقوبة، ولا أثر لذلك الإيقاف على الجزاءات التأديبية التي يخضع لها المحكوم عليه. وأوضح أن ديوان المظالم وقبل صدور هذه القواعد كان يوصي في بعض قضايا التزوير والرشوة عند إصدار الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الحبس والغرامة، وفي عام 1401ه صدرت موافقة نائب رئيس مجلس الوزراء على نظام وقف تنفيذ العقوبة المقترح في مذكرة من شعبة الخبراء بمجلس الوزراء بناء على كتاب من رئيس ديوان المظالم. من جانبه، فصل المحامي المستشار القانوني عبدالعزيز الزامل مبررات الحكم بأن المادة ال32 نصت على «للدائرة في ديوان المظالم إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة أو غير ذلك مما يبعث على القناعة بوقف التنفيذ، أن تنص في حكمها على وقف تنفيذ العقوبة». وأشار الزامل إلى أن إيقاف تنفيذ العقوبة بحق البعض من المحكومين منصوص عليه في قواعد المرافعات أمام ديوان المظالم، وذلك باعتبارها سلطة تقديرية للدوائر الجزائية التي تنظر قضايا الرشوة والتزوير واختلاسات الأموال الحكومية، وغيرها من الجرائم المقننة. وشدد على أن نظام ديوان المظالم أخذ في الاعتبار ذلك الإيقاف، لكن وقفها لا يعني إلغاء تسجيل السابقة الجنائية، بل تبقى مسجلة عليه في الصحف الجنائية. وكان رئيس الدائرة الجزائية في محكمة جدة الإدارية والأعضاء الآخرون رأوا أن ما ناله المحكوم بسبب القضية كاف لردعه وزجره عن العودة لمثل ما بدر منه، إذ صادقت محكمة الاستئناف الإدارية في منطقة مكةالمكرمة على الحكم الصادر بحق المتهم البالغ من العمر 50 عاماً، وأصبح واجب النفاذ، وتم إبلاغ الجهات المختصة بتأييد الحكم.