تتناول هذه الدراسة ، وأنشر مقاطع منها تجربة المغني والملحن عارف الزياني، جيل أغنية الثمانينيات في الخليج العربي ، وهو يمثل أحد وجوه ثقافتها.. ..وظهور أول مجموعة غنائية"سحرت الناس"(قطرنا-1985)لعارف الزياني كشفت عن ملامح ستلازم تجربته وتتمثلها سياقات التطور فيها،فهو يقدم الأغنية العاطفية في لونها الشاعري"سحرت الناس" لسليم عبد الرؤوف (القاسم الثقافي للتجربة شعرياً)، و"يا حسافة"لعلي الشرقاوي،ومن الأولى التي وزعها موسيقياً ميشيل المصري في إطار الأغنية العربية المتخذة لونها من البوب الرومانسي عبر الإيقاع: "سَحَرْت الناس وَانا مِنْهُم يا هاجِرْني وواصِلْهُم! يا لايمْني و عاذِرْهم سَحَرْت الناس وَانا مِنْهُم .. يا شاغِلْ بالمحبَّةْ الناس أنا مثل البشَرْ حَسَّاس تِحرِّكْني أغانيهم وتجْرَحْني مآسيهم إذا قلبك تِذَكَّرْهُم لا تنساني أنا منهم سَحَرْت الناس وَانا مِنْهُم! يا هاجِرْني وواصِلْهُم! يا لايمْني و عاذِرْهم! سَحَرْت الناس وَأنا مِنْهُم" ..والأغنية الشعبية في لونها البدوي الراقص بإيقاع الدزة،والمبني على قصيدة نبطية"هل دمعي": "هَلِّ دَمْعي علَى زينِ الغَوَاني مِنْ عَناها نوْر دْيَارَها بُو جديلٍ مِنَ الفَرْقَا بلاني والليالي تشمِّ اخْبَارَها *** بلِّ جَرْحٍ سِطَا ثُمّ براني ما حظا القلب وافى اخْبارها عجَّل الزين كنه ما يراني ما درى العين شبَّتْ نارها هَلِّ دَمْعي علَى زينِ الغَوَاني مِنْ عَناها نوْر دْيَارَها بُو جديلٍ مِنَ الفَرْقَا بلاني والليالي تشمِّ اخْبَارَها" ..تعتمد الأغنية على مذهب قصير(مكون من بيتين)جعلهما مرجعاً للمقاطع الثلاثة المتوالية،وهي تستعير في نصها الشعري استعارات تمثيل الحبيبة(زين الغواني،بو جديل،هنوف)،وتبدى في طريقة أداء عارف الزياني نطق الكلمات باللهجة البدوية من تفخيم حروف اللين وإشباع المقاطع المفتوحة في قوافي القصيدة(ديارها،أخبارها..). ..وقدَّم قالب القصيدة"لي حبيب"للشاعر الأيوبي البهاء زهير في لون فن القادري: "لي حَبيبٌ لا يُسَمَّى وحَديثٌ لا يُفَسَّرْ تعِبَ العاذِلُ في قِصَّةِ حُبي وتحيَّرْ لسْتُ أرْضَى لِحَبيبي أنَّه لِلْنَّاسِ يُذْكَرْ فترى دَمْعيَ يَجْري ولِسَاني يَتَعَثَّرْ لي حَبيبٌ لا يُسَمَّى وحَديثٌ لا يُفَسَّرْ *** سيِّدي لا تصغِ للواشي وإن قالَ فَأكْثَرْ! فحديثٌ غَيْرَه قد ظلَّه الوَاشي وقدَّرْ فترى دَمْعيَ يَجْري ولِسَاني يَتَعَثَّرْ لي حَبيبٌ لا يُسَمَّى وحَديثٌ لا يُفَسَّرْ" ..ويلفتنا اختياره نص شعري ألفاظه تخالف المعتاد من القصيدة العربية من خصوصية اللغة الأدبية ورفعة الألفاظ من خزين المعجم العربي،وهو بهذا يحرف بلون القادري لاختيار نصوص شعرية مواضيعها في الشكوى من العاذل ونجوى الذات بدلاً عن مخاطبة الأرواح الشريرة بلغات متلعثمة غير واضحة كما في نصوص فن القادري حين سحب نحو فن الزار باعتبار إحدى طرق الاستشفاء النفسية إلى وقت قريب عند طبقات دنيا وفئات مسحوقة.