تفاقمت أزمة المياه في محافظة بيشة بشكل متسارع في الأسابيع الأخيرة، ولم يعد سراً أن كمية المياه التي يختزنها سد الملك فهد خلف بحيرته والتي تشكل المصدر الوحيد للمياه في المحافظة تناقصت بشكل كبير، جراء الاستهلاك اليومي الكبير لما تنتجه محطة التنقية المقامة على بحيرة السد المتزامن مع انحباس المطر وجفاف الأودية المغذية للبحيرة. معالم الأزمة تبدو أكثر وضوحاً في محطة التنقية التابعة لوزارة المياه، ومنظر الطوابير الطويلة للصهاريج وهي تنتظر دورها لنقل المياه لأسر تترقب سماع صوت محركات هذه الصهاريج بفارغ الصبر لارتباط صوت "الوايت" بانفراج مؤقت لأزمة يومية مع العطش. صورة أخرى وطابور آخر يكشفان حال بيشة مع أزمة المياه في ذات المكان (محطة التنقية)، في مشهد يومي لأعداد غفيرة من المواطنين وهم ينتظرون دورهم للظفر بأي صهريج مهما كانت سعته أو كمية المياه التي يحويها، وتبدو الصورة أكثر سواداً عند عودة بعض هؤلاء المواطنين بخفي حنين، مضطرين لتأجيل حلم الحصول على الماء لليوم التالي، حريصين على الحضور مبكراً لئلا تتكرر مأساة الأمس. وعلى الرغم من وضوح وتكشف بوادر الأزمة في وقت مبكر، إلا أن الحلول المؤقتة التي كانت تلجأ لها مديرية المياه في بيشة لم تكن سوى مجرد مسكنات تبخر مفعولها بعد أن أطلت الأزمة بوجهها المخيف على مختلف مناحي الحياة في بيشة، حيث ظهرت هذه البوادر خلال الأشهر الماضية، وكانت من الصور المزعجة للأزمة لجوء صالونات الحلاقة في المحافظة لاستخدام "قوارير" المياه الصحية في عملهم اليومي لعدم انتظام وصول المياه لخزاناتهم على خلفية الزحام الخانق في محطة التنقية، المدارس أيضاً شهدت في الأشهر الماضية ملامح هذه الأزمة، نظراً لعجز متعهدي المياه عن توفير المياه في الأوقات المحددة، وظهرت عبارات المطالبة بترشيد المياه في الإدارات الحكومية والمباني السكنية لتخفيف وقع الأزمة. وتجلت أزمة مياه بيشة بشكل أكثر وضوحاً عندما توجه عدد من المواطنين لمحافظة بيشة لطلب سرعة التدخل والتصدي لأزمة المياه بحلول ناجعة بدلاً عن الحلول الوقتية، والتي تعتمد على آبار سطحية في قرى تبعد مئات الكيلومترات عن محافظة بيشة ولا يعرف مدى صلاحيتها للشرب وسلامتها من الأمراض. من جانبه أكد وكيل محافظة بيشة الغثيم ل"الرياض" أن المواطنين يطالبون بتوفير مياه الشرب، وأنه قد تم إطلاعهم على خطة الطوارئ التي تعمل على ضوئها مديرية المياه بالتنسيق مع إدارة المياه في منطقة عسير، وتم التأكيد لهم بأن وزارة المياه تستشعر الأزمة وتسعى لحلها، حيث قال: نحن في انتظار ما يعتمد من مشاريع لحل هذه الأزمة، وأن محافظة بيشة كجهة إشرافية مستعدة لتذليل أي صعوبات تعترض مديرية المياه لحل هذه الأزمة. وأوضح مدير مديرية المياه في بيشة فايز عيسوب أنهم يعملون وفق خطة طوارئ أعدت سلفاً للتصدي لهذه الأزمة بناء على الإمكانيات المتاحة، والتي تقضي بتقليص كميات محطة تنقية المياه تدريجياً لضمان وصول المياه بالحد الأدنى لمنازل المواطنين، إلى جانب حفر آبار في قرى الغفرات وتبالة لنقل المياه لاستخدام المواطنين، وآبار أخرى في قريتي الجعبة والعبلاء مخصصة للمرافق الحكومية والمستشفيات، وعن منسوب المياه في سد الملك فهد أوضح عيسوب أنه يبلغ حالياً 5 أمتار، المتاح منها لا يتجاوز المتر ونصف المتر، والكمية المتبقية عبارة عن طين ورواسب ترابية. يذكر أن مدير المياه في عسير المهندس يزيد آل عايض قام بزيارة في الأشهر الماضية لمحافظة بيشة واطلع على منسوب مياه السد، وأوضح لوسائل الإعلام أن الحل الذي يحد من أزمة مياه بيشة التي تعتمد بشكل كامل على مياه الأمطار هو سحب المياه من متكون الوجيد الواقع في حدود محافظة تثليث مع الربع الخالي، غير أن مصادر "الرياض" أكدت أن المشروع لا يزال يدرس في وزارة المياه التي تتردد في تنفيذه، وأن الحلول المؤقتة التي لجأت لها مديرية المياه في بيشة غير مجدية، وأن الآبار التي تعتمد عليها في خطتها الطارئة لا يمكن الاعتماد عليها كون مياهها جوفية ولن تصمد أمام حاجة أكثر من 200 ألف نسمة يسكنون محافظة بيشة، إلى جانب عدم التأكد من نسبة الملوحة فيها وخلوها من الأمراض، وكانت مديرية المياه في بيشة تعتزم إغلاق محطة التنقية بشكل كامل لنضوب مخزون سد الملك فهد، لكن تنقيص الكميات اليومية التدريجي أعطاها مساحة من الزمن لا يتوقع أن تتجاوز الشهر. ومن عوائق خطة طوارئ المياه في بيشة يتمثل في مشكلة إيصال التيار الكهربائي لمواقع آبار النجدة في كل من قرى الجعبة والعبلاء والقوباء، حيث لا يزال التيار الكهربائي لم يصل لمواقع الآبار حتى يتم سحب المياه ونقلها عبر الصهاريج لمسافة تزيد على 150 كيلومتر، حيث أن قرى الجعبة والعبلاء يصلها التيار الكهربائي من منطقة الباحة، في حين يصل التيار الكهربائي للقوباء من محافظة النماص، وهو الأمر الذي يزيد الأزمة تعقيداً. ويأمل المواطنون في محافظة بيشة أن ينتهوا من هذه الأزمة باستفادتهم من المياه المحلاة من محطة التحلية على البحر الأحمر، وهو المشروع الذي طالما طالبوا به منذ بداية أزمة الجفاف التي تعيشها المحافظة منذ سنين.