بدأت يوم أمس أولى جلسات مؤتمر الناشرين العرب الأول بورقة ألقاها الدكتور علي حرب بعنوان "حرية النشر والتعبير بين حجب المعرفة ونشر الشعوذة" اشار فيها الى ان الحرية آخذة في التراجع اليوم، عما كانت عليه في أيام طه حسين وجميل صدقي الزهاوي، او حتى في زمن الأفغاني. هذا بالرغم من التطور الهائل في وسائل الاتصال والشبكات الأثيرية الفائقة التي تلغي الحدود بين المجتمعات، على نحوٍ يجعل المعلومات والرموز والصور تجتاح الناس في حجراتها، لكي تفاجئها بما هو غير متوقع، مما ينتهك الثوابت والمحرمات الأمر الذي يجعل الكلام على حرية النشر او الخشية منه غير ذي موضوع، كما يجعل إعمال الضبط والرقابة على الكتب والمنشورات غير مجدية ولا فعالة فما تمنعه اليوم اجهزة الرقابة يمكن الحصول عليه بوسائل أخرى. وقال علي حرب ان الأحزاب السياسية ليست أفضل حالاً بالنسبة الى حريات النشر والتعبير، خاصة الأحزاب العقائدية، الثورية او التحررية التى شهدنا نماذجها في حركات التحرر الوطني والجبهات التقدمية. كما تطرقت ورقة علي حرب الى المجتمع السعودي فيقدمه شاهداً، فها هي الروايات، سواء المكتوبة بأسماء حقيقية أم بأسماء مستعارة، تنشر الغسيل على سطوح الأثير. ولم يعد ثمة شيء يمكن حجبه والتستر عليه. وأنا أعتقد أن ما تشهده الساحة الثقافية السعودية من طفرةٍ في الأعمال الفكرية النقدية او في السرديات الروائية الحرّة، إنما هو تعبير عن حيوية المجتمع السعودي. عقب ذلك ألقى محمد عدنان سالم ورقة بعنوان "من حرية الفكر إلى حرية النشر" ، استعرض فيها مراحل الانسان في الحرية والتعبير منذ هبط إلى الأرض لم يكن فيها شيئاً مذكوراً، وحتى ارتياده الفضاء يرنو ببصره إلى السماء؛ ما زال يكافح من أجل حرية التعبير عن آرائه مشيراً الى ان اختراع الطباعة حوّل الوراقين إلى ناشرين معتبراً انه على الرغم من أن رقابة المجتمع تنطلق من الحفاظ على قيمه وتقاليده وأعرافه، مما يعيق عملية التجديد وطرح أفكار جديدة تتجاوز المألوف؛ فإنَّ تجاوزها واختراقها مرهون بقدرة صاحبها على الحوار والإقناع. ومضى عدنان عن حرية النشر بقوله بأن كل الدساتير العربية نصت على حق مواطنيها في حرية الرأي والتعبير. ولئن اختلفت فيما بينها بالطرق التي صيغت بها كفالة هذا الحق، فقد اتفقت كلها على تقييده بشروط أوكلت تحديدها إلى القانون، الذي تولى بدوره صوغها بقوالب عامة وحمالة أوجه؛ تفرغ النصوص الدستورية من مضامينها، ليسهل على السلطة الإدارية قضمها في ظل تغييب رقابة السلطة القضائية. بعدها القى الأستاذ ابراهيم المهندس كلمة اكد فيها على اهمية الأوراق التي قدمت من الزميلين علي حرب والأستاذ عدنان سالم متمنياً ان تشهد الفترة القادمة تطوراً في هذه الصناعة المهمة سواء من حيث المؤلف او الناشر او الموزع. اما الجلسة الثانية والتي ترأسها محمد علي الخضير فبدأت بورقة ألقاها الدكتور جريهارد داست عقب ذلك القى الدكتور أحمد طاهر ورقته التي جاءت بعنوان "الحلقة المفقودة في تسويق الكتاب"، حيث قال: النشر رسالة ودلالة والتزام، والناشرون هم حملة لواء العلم والفن والثقافة والهداية، ولكن صناعة النشر مثل كل الصناعات، تعتمد فى نجاحها وتطورها على قدرتها على الوصول إلى القارئ أينما كان ومتى اراد. وكانت الورقة الأخيرة لبشار شبارو اشار فيها الى مدى مساهمة الأوضاع الاقتصادية والعقليات السياسية الضيقة في إبعاد المواطن العربي عن مصدر أساسي من مصادر المعرفة الا وهو الكتاب. وهذا الوضع يعمّق تخّلفه ويكرّس اغترابه عن عصره، وقد ساهمت مشكلة التوزيع في تعميق الهوة التي تتسع بشكل مخيف بين المواطن والكتاب وبين الناشر ومهنته، بسبب عزوف المواطن عن القراءة، ويأس الناشر من رؤية النور في نهاية النفق. وقد حان الوقت لننتقل إلى إجراءات ملموسة تنخرط فيها كل الفعاليات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالكتاب وعلى رأسها الحكومات التي يجب أن تعترف بأولوية الكتاب في محاربة مظاهر الجهل والتطرف والمرض والانغلاق.