البدايات لسيد قطب تختلف كثيراً عن بساطة الوعي والممارسة التي بدأ بها أسامة بن لادن حياته، وخالية من عقد الاعوجاج ومطاردات الاتهام، وهما مَنْ جعلا أيمن الظواهري رجل استغلال للمواقف سواء بالعداء المتواصل للنظام المصري أو مزاحمة آخرين للاقتراب من ابن لادن في بدايته عندما كان يملك المال ولا يملك التجربة والخبرة وكذا الرؤية الواضحة لمستقبله الذي يريد.. لقد كانت بدايات سيد قطب مختلفة تماماً.. كان ينادي لإيضاح (فكر) خاص ولم يكن ينادي لمناسبات قتل عام مثلما تعهد بذلك أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، واصطدم مع النظام العسكري في مصر أثناء حكم عبدالناصر، ولم يكن وقتها واعياً أو محترفاً للخصومات بقدر ما كان مؤلفاً مرموقاً لعدد من الكتب المؤثرة، وقد عاصر الشيخ حسن البنا دون أن يتصل به، وكانا يتقاسمان شهرة الثقافة الدينية.. وقد رفض قطب أن ينضم إلى الجماعة، ثم فعل ذلك بعد وفاة البنا.. ولم يكن الرجل معقداً ولا منغلقاً في بدايته.. تعلم فترة محدودة في أمريكا.. وشغل مناصب مرموقة في مصر، وكان يحب الموسيقى الكلاسيكية، ويهتم بأنواع من الفنون ويرتدي الزي الغربي.. والدليل أن أفكاره لم تكن مرفوضة، حتى في منتصف عصر شهرته كان عبدالناصر وبعض ضباطه الأحرار يعقدون اجتماعات في منزله.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا أيضاً يتقربون إلى جماعة الأخوان المسلمين مما كاد أن يجعل ثورة 23 يوليو ثورة إسلامية، لكنهم لم يكونوا مطلعين على أجندة عبدالناصر الخاصة الذي لم يتخلص منهم فقط ولكن تخلص من معظم المقربين منه، ولعل ما حدث لمحمد نجيب الذي لولا وجوده بينهم لما تقبل العسكريون مبدأ الثورة، السجن، العقوبات، التعذيب.. ربما كانت هذه محفزات مؤلمة جعلت سيد قطب يتغير عن نهج بداياته.. وفي مقارنات ربما لم يقصدها «لورانس رايت» لكن لا بد أن يدركها القارئ عند متابعة تاريخ الإرهاب، في هذه المقارنات سنجد أن ما حدث على يد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري اللذين كانت بداياتهما مضحكة بالنسبة لابن لادن ومعقدة شبه مرضية بالنسبة للظواهري.. فأسامة بن لادن حين ذهب إلى أفغانستان لم يكن يعرف بدقة ماذا سيفعل هناك.. كان تديّنه في جدة قبل السفر لافتاً للانتباه بما كان عليه من انعطاف غير موضوعي وبدائية في مفاهيم الإسلام.. ووقتها لم يكن هناك مَنْ يتردد في دعم مجاهدين يقاومون نفوذ دولة إلحادية داخل مجتمع مسلم.. تكاثرت التبرعات وتكاثر عدد المتطوعين لكن لم يكن أحد يدري ما كان بين الشيخ العزام والظواهري من منافسات مؤلمة للتقرب من «الفتى» أسامة بن لادن.. كان كل واحد يبحث عن موقع قيادي مرموق، وبالتالي تتواجد المنافسات غير المنطقية بين مَنْ يكون الأقرب لدى رجل المال حتى أنها راجت إشاعات بأن مقتل الشيخ العزام تم بتدبير قريب منه، وهو رغم شطوح أفكاره وغرابتها كان هو الأقرب إلى النزاهة.. فأسامة يبحث عن شهرة، والظواهري يبحث عن مال، ولأن الأمور كانت تُدار بسذاجة متناهية فقد فوجئ قادة الأفغان العرب بالشباب المتطوع للجهاد وهم ينصبون خياماً بيضاء في مواجهة مكشوفة أمام موقع عسكري روسي.. سألوهم لماذا فعلتم ذلك؟.. قالوا حتى نتأكد من حصولنا على شرف الاستشهاد.. ثم في عصر الغزو الروسي كان هناك مبرر مقاومة، لكن بعد انسحاب الروس حدثت صراعات دموية بين قيادات أفغانية ومثلها بين قيادات عربية، وبقي أسامة وأيمن مشغولين بالبحث عن كهوف اختفاء يرسلان منها تعليمات الجهاد.. ضد مَنْ؟.. ضد مسلمين لغرض إبعادهم موتاً عن طريق الجهاد.. الشيء الذي يذهلك.. ذلك التباعد الكبير بين شخصية أسامة ووالده محمد بن لادن، الرجل الفاضل والواعي والعصامي، والذي لعب أدواراً كبيرة ونبيلة في مجالات خدمات الطرق وبالذات ما هو شبه مستحيل منها، إضافة إلى تواضعه ومساهماته الإنسانية العديدة التي يفضل عدم الإعلان عنها..