مجموعة نجاة عبدالله الشعرية "حين عبث الطيف بالطين" تبدو في معظم قصائدها اقرب الى تجربة فنية واحدة تتكامل في وجوهها المختلفة ويتخمّر فيها التساؤل الفكري والآلام الجماعية والفردية وتأتي في رمزية تصويرية نفاذة الايحاء. جاءت مجموعة الشاعرة العراقية نجاة عبدالله في 96 صفحة متوسطة القطع اشتملت على قصائد طويلة واخرى قصيرة وعلى قصائد شديدة القصر. وهناك الاهداء الذي ليس بأقل مما نسميه قصيدة. صدرت المجموعة عن "دار الشؤون الثقافية العامة" في بغداد وبغلاف فني لابتسام السيد وسلام الشيخ. تبدو القصائد اجمالا نماذج شعرية جميلة مميزة تمتّ بنسب إلى ذلك "الامتداد" في الكتابة الشعرية روحا واسلوبا وشكلا فنيا الذي انطلق بعد منتصف عقد الخمسينات في القرن المنصرم مع محمد الماغوط في مجموعته "حزن في ضوء القمر" ونمط كتابة مع ترجمة ادونيس الى العربية في مجلة شعر قصيدة الشاعر الفرنسي سان جون بيرس "ضيقة هي المراكب." إلا أن الذي ربما جاز لنا ان نصفه بأنه "سمات ماغوطية" عند الشاعرة العراقية نجاة عبدالله في مجموعتها هذه يختلف عما يبدو لنا سمات قد تكون من هذا النوع في بعض قصائد الشاعر المصري محمود قرني مثلا في مجموعته "قصائد الغرقى" من هذا الاختلاف ان شعر قرني حافل مع الشعور بالمرارة بسخرية لاذعة تضحكنا "من الالم" أحيانا أما قصائد نجاة عبدالله فتفيض بالالم والمرارة بجدية موحية وصارمة كالسيف عامة وتكاد تتفجر احيانا. واذا كان ما سمي قصيدة النثر قد تخلص من الارتباط بالوزن والقافية تخلصا كليا فلا نلقى ايا منهما في القصيدة الا اذا جاء صدفة دون قصد وفي عبور سريع فان كل محاولة لتنظيم تكرار لقافية واحدة او لايقاع واحد يجعل هذه المحاولة نوعا من "التراجع" الى نمط او انماط سابقة او نوعا من "الانتكاسة." عند نجاة عبدالله كثير من التميز والفرادة صورا ومشاعر وتجاربها تنتقل الينا بقدرة. لكننا قد نتساءل عما اغرى هذه الشاعرة الجيدة بان تكبل بعض حريتها في بعض قصائد المجموعة وان بقيود شبه خفية ربما ذكرتنا احيانا بخيوط حريرية او بخيوط عنكبوت. قصائدها جدية مؤثرة وموحية. انها في مجموعها عمل فني يدخل نفس القارىء فيخلق فيها متعة فنية وحزنا ونقمة وشبه ازدراء للذات الانسانية التي لا يهزها ما هز هذه الشاعرة. وما هزّها كفيل بهز الجبال. ننطلق من اهداء لا ينقصه ما يحول دون اعتباره قصيدة. تقول نجاة عبدالله:الى حياتي التي كلمتني (ذات يوم) لاصاب بخرس (العيش) وجنون الكلمة (الى العراق)الذي يبكيني (ويرسم وجهي) بتضاريس غيابه. في قصيدة "في البلاد البعيدة" تظهر بعض القيود "شبه الخفية" التي فرضتها على نفسها. تقول مثلا: عصفور في كف ارملة يحلم بالغناء لو ان قفصا في البيت (وقلبا) يقترح المساء... (رحلنا) صامتين (ترتجف اوصالنا) متى قلنا (ها اننا يفتننا النداء) نقتسم براءة الطين (حتى يشبه) غيابه (الماء). ترى اي شيطان تنقصه جمالية ذوق شياطين "وادي عبقر" وسوس لشاعرة جيدة اسمها نجاة عبدالله بان تدخل على تميز شعرها هذه القيود المجانية الثقيلة وهذه الاحمال تحمّلها لقصائدها الجميلة ومن اهم اركانها تلك الحرية التي تميز "الشعر الحر" فتجعل بعضها في حالة" اختناق لا معنى لقيامها؟!