في عاصمة العالم، كل العالم لندن، كما في أكثر عواصم أوروبا لا تسكنك الدهشة بقدر ما يفتتك الحزن، وتمزقك المأساة وأنت ترى عرباً كثراً من أقطار متعددة في جغرافيا الوطن العربي الكبير يمضغون السأم والقلق والإرهاق. ويستدعون الذكريات والأمكنة والأصدقاء والأحلام عبر أغنية حزينة، ويتخذون من الرصيف، والمقهى حيزاً جغرافياً بديلاً عن الوطن بكل معانيه وإيحاءاته، ويتذكرونه كما عشق أسطوري، وحلم حياة لم يتأتَ امتلاكه، أو الدخول في فضاءاته. بشر تقرأ المأساة في نظراتهم، وأحاديثهم، وتتعرف على الذل، والانكسارات والخيبات، وانطفاءات الأحلام، واغتيال الطموحات والشهية في ممارسة الحياة من خلال تفاصيل حواراتهم وتناولات اهتماماتهم، حيث صار البحث عن لقمة عيش، أو توفير مصاريف طبابة، أو أقساط تعليم أحد الأبناء، أو حتى توفير سكن، أي سكن هو ما يشغلهم ويأخذ كل ما بقي لهم في الوعي من اهتمام. أرصفة لندن، وعواصم أوروبا، وكندا، والولايات المتحدةالأمريكية، تحولت إلى أوطان، أو منافٍ لإنسان بعض الوطن العربي، وتحول هذا الإنسان من كائن يفترض أن يكون خلاّقاً، مبدعاً، منتجاً، مساهماً في عملية النمو والتنمية الاقتصادية، والمعرفية، والفكرية، والاجتماعية إلى كائن هامشي هو رقم في دوائر الهجرة، أو هيئات اللاجئين. وإذا كان الحظ بجانبه يسانده، ويتعاطف معه فهو نادل في مطعم، أو عامل في بقالة، أو سائق في شركة..!؟ هذا هو الواقع، والواقع مُرّ، وتعيس، ومحبط. أما لماذا هذا الواقع..؟؟ فالجواب: كل ذلك بفضل بعض الأنظمة العربية، ومخابراتها، وأساليب بطشها، وفنون تعذيبها، ووسائل سحقها للإنسان كما أي شيء تافه غير ذي قيمة. الأمر الذي أعاق التنمية، وعطّل وسائل الإنتاج ؛ فتفشى الجوع، والفقر، والجهل، والتخلف، وصودر الرأي بحيث أصبحت بعض الأنظمة هي التي تفكر بالإنابة، وتخطط بالإنابة، وربما تحدد نوع الأجنة في بطون الأمهات وتدجنهم قبل ولاداتهم. أكتب هذه الصورة في يوم الوطن ؛ فالوطن ليس حقيبة سفر، أو فندقاً، أو ورقة انتماء.. الوطن هو هوية، وإرث تاريخي وفكري وحضاري، وهو قيمة أغلى من الروح، ويجب أن يدرك الإنسان السعودي بأن المحافظة على الإرث، والمكتسبات، والمقدرات واجب لكي نجد مكاننا تحت الشمس.