الذرائع لاحتلال بلد، أو اختراع تهمة تصل إلى الإدانة، أو ملاحقة عناصر من مختلف الاتجاهات، ظلت الغاية التي تبررها القوة، وقد احتُلت الجزائر بسبب «مهفة» (الداي) أو الحاكم الجزائري عندما ضربت أنف السفير الفرنسي، ولبريطانيا وأسبانيا آلاف الأعذار بالإبادة الشاملة لشعوب مستعمراتهما، وكذلك أمريكا وغيرها.. إسرائيل مولود من تلك الأرحام، فالإبادة للفلسطينيين جاءت من تعاليم أسفارهم، ولذلك لن يُستغرب أن تستخدم أسلحتها النووية في أي لحظة وبدون رقيب أو رادع أخلاقي إذا ما وجدت أن مثل هذه الضربات تكفله تعاليمها الدينية، ولا يهم أن يحتج العالم ويعلن سخطه لأنهم بشر ولدوا ليخدموا شعب الله المختار، ولا يحق للعبيد أن يتكلموا في حق الأسياد.. الأممالمتحدة دانت إسرائيل وحماس بجرائم حرب، ومع أن المعادلة غير صحيحة فقد تكون مبررات اتهام حماس هي إرسالها تلك الصواريخ البدائية، وهي لا تُلام من وجهة نظر من يدافع عن نفسه أمام من يحتله، لكن المفارقة أن مجلس الأمن لا يستطيع إحالة القضية إلى محكمة العدل ليقدم زعماء إسرائيل إلى المحاكمة أسوة بزعامات الصرب، وملاحقة الرئيس السوداني البشير من قِبل محكمة الجنايات الدولية، وأن الموضوع لا يعدو أكثر من موقف للمنظمة الدولية تبرئ به نفسها من طائلة التغافل، والإهمال لجريمة غزة.. وليست هذه هي الإدانة الأولى لإسرائيل بجرائم حرب، فهي تفعل تعدياتها بناء على دعم متواصل من أوروبا وأمريكا، والدليل أن جرائمها في غزة لم يجرؤ رئيس دولة أو وزير في القارتين الاحتجاج، أو احترام الادعاء برعاية حقوق الإنسان، وقد يُكتفى من الإدانة أن لا تتعدى حرم الأممالمتحدة، لأن مجلس الأمن على استعداد لأنْ تتخذ الدول الثلاث الأعضاء حق «الفيتو» في أي أمر يتجاسر على تقديم حكومة (أولمرت) أو نتنياهو للعدالة، والأمر معروف سلفاً، فإسرائيل رفضت التعاون مع هيئة التحقيق الدولية، وقد تتهم محقق الأممالمتحدة بالنازية أو اللاسامية باعتباره تجرأ على كشف جريمة بهذا الحجم، وفي توقيت لا يرضي إسرائيل وحلفاءها.. ولو أن مثل هذه الإدانات تطبق بحذافيرها أسوة بملاحقة الأجيال الألمانية بدفع تعويضات لإسرائيل عن المحرقة، لارتفع مستوى العدالة إلى النسبة المعقولة، غير أن ذلك مستحيل بوجود الأضلاع التي تدعم المواقف الإسرائيلية، وبالتالي فالقرار مجرد تلطيف معنوي لا يعرّض إسرائيل لأي ملاحقات قانونية. سترد إسرائيل على الاتهامات وتفندها، وكذلك الفلسطينيون، غير أن القضية بالعرف القانوني والإنساني أكبر من كتابة مجموعة أوراق يختزنها ملف سيحال لأرشيف الأممالمتحدة، بل الموضوع كيف ترفع الإدانات عن إسرائيل، وما هي القوة التي تجعلها خارج المساءلة ؟ وأن مجرد رأي يصل إلى تكذيب المحرقة، أو فتح باب أو نافذة على جرائمها يعرّض المتسبب إلى المحاكمة في أوروبا وأمريكا، في حين تجد هذا القول يتردد أحياناً، داخل إسرائيل نفسها، وكأن الحرية مقيدة في شأن كهذا في الغرب، ولا لوم أو مساءلة على الداخل الإسرائيلي، وهنا معاكسة القانون والمنطق فيما يجعل إسرائيل فوق الجميع.