من الطبيعي أن ينشأ الولد في أحضان والديه، وفي كنف أسرته، التي تحوطه بالرعاية والعناية، وتغمره بالعطف والحنان، وتقومه بالإرشاد والتوجيه، إلا أن الإرادة الإلهية قد تقتضي أن يفقد الإنسان أحد والديه أو كلاهما في صغره، فيصبح يتيما فاقدا للدفء والحنان من احد والديه، إضافة للتوجيه والإرشاد الذي قد يحميه من الوقوع في الأخطاء، أو وسط دائرة من رفاق السوء الذين قد يحولون حياه الشخص إلى جحيم. لذلك حث ديننا الإسلامي الحنيف على كفالة اليتيم، واعتبرها من الأدوية التي تعالج أمراض المجتمع، حيث تتضح الصورة الأخوية التي حث عليها الإسلام لتسود بذلك الرحمة والمودة. ولا تعني الكفالة الجانب المادي فقط، بل يصل إلى القيام بشؤون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح، إضافة لتوفير ما يحتاج له من حاجات تتعلق بأمور حياته الشخصية كالأكل والشرب والملبس والعلاج. ومن المعروف أن فراغ الأب أو الأم لا يمكن سده بالنسبة لليتيم، مما يخلف لديه شعور بالنقص العاطفي، حتى لو تم توفير كافه الاحتياجات المادية له، مما يدعو بضرورة تهيئة اليتيم لتقبل قضاء الله وقدره فيما أصابه ليتجاوز محنته بخير. الجمعيات الخيرية تنشط الجمعيات الخيرية في شهر رمضان خصوصا لتوفير كافة احتياجات الأيتام في مختلف مناطق المملكة، حيث يذكر عضو المساعدات العينية في جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية هشام الربعان أن عدد الأسر التي استفادت من برنامج مئونة رمضان فاقت ال 500 أسرة، وذلك من خلال آلية متبعة تعتمد على إيصال المعونات إما بشكل كوبونات أو من خلال معونات عينية، مؤكدا أن نشاط الجمعية انطلق منذ ما يقارب 45 عاما وسط تكاتف الكثير من أبناء هذا الوطن. وقال: "يكثر عدد المساهمين لكفالة الأيتام في الشهر الكريم، حيث تزداد التبرعات والمساعدات، مما يساهم في تقديم الأفضل لفئة الأيتام مع رغبتنا بعدم اقتصاره على رمضان المبارك، وذلك لتوفير احتياجاتهم طوال أيام السنة، التي تشهد كثير من الفترات التي يحتاج فيها اليتيم إلى بعض المستلزمات، كالأعياد والعودة إلى المدارس وكسوة الشتاء". وذكر الربعان أن المعونات قد لا تلبي كافة الاحتياجات، خصوصا عندما يكون عدد أفراد الأسرة كبير جدا، وهذا ما يدعو لمزيد من التكاتف من قبل رجال المجتمع. تجاهل الأقارب رغم أن الله انعم على بعض الأسر بالخير الوفير، إلا أنهم وللأسف الشديد لا ينظرون لحاجة أقارب لهم هم في أمس الحاجة للمساعدة بعد أن فقدوا رب أسرتهم. حيث تذكر أم محمد، والتي تسكن في غرفة صغيرة جدا مع أبنائها وبناتها وأبناء بنتها المطلقة، بان إخوانها والذين يعملون بوظائف مرموقة جدا ويسكنون في قصور فارهه لم يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال أو الزيارة فقط. وقالت والعبرة تخنقها: "يعطف علينا المجتمع والجمعيات الخيرية، بينما أهلنا وأقاربنا يخجلون منا ويحرصون كل الحرص على تجاهلنا". ومن جانب أخر، يستغل بعض الأقارب والأوصياء ضعف المرآة وانكسارها بعد وفاة زوجها وضعف صغارها، ويقومون بأكل مال اليتيم من خلال تقسيم الورثة بطريقة غير عادلة، خصوصا عندما لا توجد وصية واضحة وصريحة تبين ثروة المتوفى، مما يسهل عملية التلاعب بالممتلكات ويسبب وقوع الظلم على الزوجة والأبناء. وتبرز هذه المشكلة عندما يكون هناك أكثر من زوجة، أحداهن يكون أبناؤها صغاراً وإخوتهم الكبار يستغلون وصايتهم عليهم بسلبهم حقهم الشرعي، حيث يلاحظ بعد وفاة الأب اختلاف المستوى الاقتصادي بين الإخوة بشكل ملحوظ. اليتم والفقر يجتمعان لا يختلف اثنان أن شعور اليتيم لا يمكن وصفه بعد افتقاده احد والديه، ولكن الأسوأ من ذلك أن يجتمع اليتم والفقر في آن واحد ليخلف وراءه كثير من المشاكل التي تصل لحد الجريمة في بعض الأحيان. ويتحدث علي حبيب عن ما وصل إليه أبناء جيرانه بعد أن فقدوا أباهم وهم لم يتجاوزا العاشرة من عمرهم، وكيف أفتقد منزل هؤلاء الأطفال وأمهم لكثير من الاحتياجات الضرورية، كأجهزة التكييف والثلاجة، مما حذا ببعض الجيران وأهل الخير لمساعدتهم بتوفير بعض المستلزمات الضرورية، إلى أن الجميع فشل بانتشال الأبناء من الوقوع في دائرة رفاق السوء الذين أوصلوهم للجريمة. وقال: "بعد أن كان الجميع يشفق على حال هؤلاء الأيتام، أصبحوا الآن يتمنون أن يرحلوا من حارتهم بسبب ما خلفوه من إزعاج دراجاتهم النارية عندما يتجمعون، لدرجة أن النساء والأطفال أصبحوا يخشون المرور في طريق منزلهم". لذلك يطالب الكثير من أفراد المجتمع بان لا يقتصر دور الجمعيات الخيرية بتقديم المعونات المادية، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى الوقوف على حاله الأبناء والبنات لمعرفة حالتهم النفسية ومستواهم الدراسي، والعمل بشكل جاد على توجيههم ليكونوا أفراد ايجابيين في المجتمع، بدل أن يتركوا ليتلقفهم رفاق السوء لينجرفوا بعد ذلك في براثن الجريمة، ليصعب بعد ذلك انتشالهم مما وقعوا فيه.