من البرامج التلفزيونية القصيرة الهادفة التي ارتبطت مع إفطار الصائمين في رمضان.. برنامج (خواطر) للداعية المعاصر أحمد الشقيري، وهو البرنامج الرمضاني الذي اهتمّ منذ انطلاقه قبل ثلاث سنوات بالدعوة المعاصرة على المستوى الفردي من جهة، والجمعي من جهات أخرى، وحقق ببساطة رؤيته وتلقائيته التي اتكأ عليها كثيرا أهدافا سامية، جرّاء آليات الدعوة فيه والتي كانت أكثر نفاذا للنفس الإنسانية المسلمة، إلا أنه ومع جزئه الثالث هذا العام اتخذ رؤيا مغايرة لما كانت عليه أجزاؤه السابقة، حينما اعتمد على الاستيراد الانتقائي للتجربة الحضارية اليابانية، وهي التي تسبق حضارتنا العربية بسنوات ضوئية كما تبدّى لنا، وتجربة الاستيراد الانتقائي على مستوى العالم، لم تحقق يومًا نجاحًا ملموسا في أي مجال من المجالات لأنها تتكئ غالبا على النتائج دون الاهتمام بمكوّناتها سواء كانت تلك المكونات فكرية أو اقتصادية أو سياسية تحيط بها، وبرنامج (خواطر) الذي مثّل دائما نموذجا إنسانيا محببا للداعية المسلم المعاصر الذي يفكّر بقلبه، ويحلم بتاريخه، ويستشرف وعد الله له، خرج هذا العام عن مساره الجميل في جزئيه السابقين وذلك باتجاهه نحو الانتقاء في الحضارة اليابانية، والحقيقة أن عملية الاستيراد للحضارات عملية محفوفة دائما بالمحاذير، لأن نجاحها مرهون دائما بالاستيراد الحضاري الكامل، كما هو الحال في تركيا مثلا وتعاملها مع الحضارة الغربية، أما محاولة التوفيق الانتقائي فلم تحقق يوما نجاحا ملموسا لأنها لا تجيء إلا نتاجا لبيئة حياتية ساهمت في تحقيقها، وهي حتما تختلف كثيرا عن البيئة التي لا تنتج مثيلاتها.. وعلى كلّ تظل الرؤيا الأساسية التي جاء بها برنامج (خواطر) للدعوة المعاصرة، وحقق من خلالها جماهيرية وحضورا نفسيا لدى المشاهد العربي البسيط، الذي يعدّ الأهم للدعوة والأولى بها، والأكثر التصاقا بشاشة التلفاز، رؤيا متطورة على سبيل النماذج الدعوية، خرجت عن نمطيّة التلقين والتوجيه المباشر وأفعال الأمر والنهي والمحاكاة التاريخية، والقوالب المستهلكة في عرض الدعوة، وهي أكثر ما كان ينقص الدعاة التقليديين، والذين مازالوا يتكاثرون في القنوات التلفزيونية ويمارسون الإفتاء المباشر في الدين والدنيا معا، ضمن نمطيّة تتكرر في كل عام، عبر اتصالات هاتفية (تجارية) وأسئلة وأجوبة تتكرر في كل حلقة، على الرغم من أن مجمل الأسئلة والاتصالات تتناول قضايا دينية ودنيوية متكرّرة، ومعلومة سهل الوصول إليها في ظل هذه الثورة التقنية على مستوى الاتصال المقروء، إلا أن مثل هذه البرامج لاتزال تتكرر دون تطوير، وتتكاثر دون تغيير.. وكم نتوق للخروج من هذه النمطية في البرامج الدعوية عن طريق تجسيد الخلق المسلم سلوكا أو حكاية دون التوجيه المباشر الذي يشتمل إيحاء بأفضلية الداعي دون أن يستهدفَ هذا إن شاء الله، لكنه إيحاء تفترضه آلية الدعوة التي تقدمها مثل هذه البرامج وتصرّ عليها.. وأيّا كان الحال تظل روحانية الشهر الكريم بحاجة ماسة دائما لبرامج دعوية تحقق متعة التشويق النفسي والفكري والإنساني، لاسيما والإنسان العادي يظل أكثر التصاقا لشاشة التلفزيون في رمضان، وهي شاشة ممتدة بامتداد الفضاء، مكتضة بالنور والظلام معا، ولا سبيل للنور فيها إلا أن نكون أكثر إشراقا في الذات الإنسانية..