" إن شرارة العقل الأولى داهمتني مرّة ومرتين وثلاثا وعشرا ، وأنا في أقصى حالات الغلو الديني ، أي أن السؤال المُحرّض ولد في جمجمتي وعقلي مسكون بشعبٍ كامل من الأموات والأحياء ..وحياتي يُديرونها كلّهم إلاّ أنا ، هذه الأنا الغائبة . لقد كنت أُدار بكلمة فلان ومقولة فلان وموقف فلان وحُكم فلان وكل هؤلاء ال فلان ، كلهم كومة كبيرة من التراب يُحيط بها مجموعة من الأحياء ، وبيدهم مغارف يأخذون من هذا التراب ويحشون به رأسي " عن بطل رواية الإرهابي 20 لعبدالله ثابت. إن من أهم ركائز تكوين الإرهابي أن يكون (إمّعة) يسمع ويُطيع دون إعمال عقله بمعنى يجب عليه أن لا يُفكّر أبداً حيث هُناك من يُفكّر عنه ويُدبر كل الأفعال الواجب القيام بها وما عليه إلاّ الطاعة العمياء أما العُنصر الذي يتردد أو يسأل والسؤال نتاج التفكير فإنه يُستبعد عن تنفيذ العمليات ويُسلّم إلى من يقوم ببرمجة عقله ليتناغم مع بقيّة (القطيع) وإذا لم يستجب لهذا (السيستم) يتم التخلّص منه، إذاً العُنصر سهل الانقياد الذي يُؤجر عقله دون تردد هو الصيد الثمين لشياطين الإرهاب ومثل هذا العنصر يمكن توفيره بسهولة في بلادنا حيث ينشأ الفتيان هُنا على أسلوب التلقي فقط فتصبح عقولهم كالأشرطة المُمغنطة تحفظ كل ما يُخزّن فيها وتسترجع ما تم تخزينه دون زيادة أو نقصان وهو ما سهّل على التكفيريين أرباب الإرهاب استقطاب تلك الأعداد الكبيرة من الشبان الجاهزين للموت بأي وسيلة يُوجههم لها (الريموت) اللعين. يقول أحد الشباب في رسالة بعثها لي في لحظة صدق مع النفس " أنا اليوم سعيد لأني كنت دائماً أحاول أن ( أفلتر) عقليتي من التراكمات الفكرية السابقة التي أُجبرت على تقبلها خصوصاً وعُمري اليوم 28 سة وهذا يعني بأني وجيلي قد تأثرنا كثيراً بالفكر السائد خلال ال28 سنة الماضية ..ومن كم سنة قررت أن أكون( أنا) ولستُ غيري .. قمت بعملية ( فورمات) وحذف المجلدات التي لم تكن تقنعني واستبدالها بوجهة نظري وقناعاتي التي كنت أخفيها تخيل شعرت وقتها أني (بني آدم) وبثقة جميلة في داخلي لأنني أصبحتُ أنا ولست غيري " أ.ه .. بالفعل شيء مُفرح أن يقف الإنسان مع نفسه ليسأل أين الطريق الصحيح ، وحين يطرح سؤالاً كهذا فهو قطعاً سيصل إلى الحقيقة خصوصاً بعد ما يمسح الشريط المُمغنط داخل عقله وينظر للحياة من جديد بعيداً عن وصاية من يعتقد أنه يملك مفاتيح الجنّة والنار.