لم يردعهم الدين ولا شهر رمضان الذي تربّط فيه الشياطين عن محاولة ارتكاب جريمة بشعة لا يتصور صدورها إلا ممن جبلت نفوسهم على الحقد والمكر والدناءة كنت قد كتبت مقالاً قبل المحاولة الآثمة التي استهدفت الأمير محمد بن نايف، بعنوان ( ليسوا فئة ضالة بل باغية ) وذلك بعد الإعلان عن القبض على أربعة وأربعين إرهابياً، وقد وصلتني رسالتان على بريدي الخاص الأولى يعتب عليّ مرسلها أن حكمت على تلك الزمرة بالإجرام والبغي قبل أن يصدر حكم المحكمة بإجرامهم، وقد اعتراني العجب من قوله هذا ؛ إذ كيف مع كل الوقائع التي أعلن عنها رجال الأمن وما وجدوه من أسلحة وذخيرة ووسائل تقنية عالية الفتك ادخروها لتدمير بلادنا، يقال لا تحكمي بإجرامهم، ألم يتساءل لماذا خُزنت تلك الأسلحة والمعدات ؟ ألم يكن الغرض منها استهداف الوطن بشراً وأمنا ً واقتصاداً ؟ أليست كل هذه دلائل صارخة على إجرامهم ؟ فهل ينتظر هذا وأمثاله حتى يفخخ الإرهابيون أجسادهم وعندها قد يسمحون لنا بتسميتهم مجرمين ؟ أم إنهم حتى في هذه الحالة سيواجهوننا بالمقولة إياها لقد أخطؤوا ولكن ؟ والثانية يتساءل صاحبها كيف أطالب بإنزال أشد العقوبات التي تتوافق وما أعدوا له من إرهاب ! ولا أدري ماذا ينتظر أولئك الناس ليقتنعوا أن تلك الزمرة ليسوا إلا خوارج يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ قتلهم أجرٌ لمن قتلهم يوم القيامة )، فها هو رسول الله يحذر منهم ويأمر بقتلهم بل ويعد من قتلهم بالأجر يوم القيامة، فلماذا يتجاهلون ذلك ؟ وعليه فإن الإرهابي الذي فجر نفسه في مجلس الأمير مجرم ذهب إلى جهنم وبئس المصير، ألم يُروَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ) ؟ ويمكن أن نقيس على ذلك من فخخ جسده بمادة ناسفة ...! كل أولئك زمرة باغية لن تتوانى عن اختراع أقبح الأساليب لتحقيق مخططاتها الإجرامية، و كما يقام الحدُ على القاتل والسارق والمهرب والخاطف، يجب أن يقام على الإرهابيين الذين يخططون لإشاعة الفساد والدمار في الوطن، أولم تسارع الدولة لتطبيق حدّ الحرابة على الهالك جهيمان وزمرته المجرمة ؟ إن الانتقائية والتردد لا ينبغي أن يستمرا، لابدّ مما ليس منه بدّ، فأمن الوطن لا تجوز المساومة عليه بحال ! لا شك أن ما فعلته القاعدة مؤخراً تطور نوعي، وهو أسلوب شديد القذارة ينطوي على كم كبير من اللؤم والخسة والغدر، أولئك الذين يتخذون الإسلام وسيلة لتحقيق أهدافهم الخبيثة، لم يردعهم الدين ولا شهر رمضان الذي تربّط فيه الشياطين عن محاولة ارتكاب جريمة بشعة لا يتصور صدورها إلا ممن جبلت نفوسهم على الحقد والمكر والدناءة، كما لا يردعهم خلق ولا دين ولا إنسانية ليفعلوا كل ما تمليه نفوسهم الخبيثة التي زينت لهم الشر والفساد والإفساد، بقيادة كاهنهم الأكبر ابن لادن. يثير الحدث الإرهابي الأخير بعض النقاط التي نبغي التوقف عندها : - ما زال هناك من ينكر على الكتّاب وغيرهم من الناس الحكم على ذلك الإرهابي بالكفر والخروج من دين الله بفعلته الشنيعة تلك، فهو مع كل ما فعل ما زال في نظرهم مسلما يستحق العفو والدعاء بالرحمة، ولا أدري هل يقول أولئك ما يقولون جهلا أم تعاطفا ؟ فإن كانت الأولى فإنه يتوجب على الجهات المسؤولة ووسائل الإعلام والتعليم توعيتهم بخطورة ما أقدم عليه ذلك الإرهابي وما يمكن أن تحاول القاعدة فعله مستقبلا، على نحو كبير من الوضوح والاستمرارية، أولسنا نرى حملات منظمة على فئات من المواطنين بدعوى تغريب المجتمع وتحرير المرأة وغير ذلك من المزاعم التي تزيف الحقائق لمجرد أن تلك الفئة من المواطنين تنادي بحقوق المرأة كما أقرها الإسلام، لا كما تقول العادات والتقاليد، وتطالب ببعض الأمور التي تقتضيها طبيعة العصر، التي لم ولن تماثل أضرارها _ إن كان ثمة أضرار _ جزءاً بسيطاً مما يفعله الإرهابيون المُفَخَخون، تلك الدعوات التي تحظى بالقبول وتحقق نجاحا جراء سياسة الشحن والتعبئة الذهنية، حتى صارت مسلمات لا تقبل النقاش، لذا فإنه يمكن عبر تكثيف الجهود التوعوية في المساجد والمدارس والأندية ووسائل الإعلام لكافة المواطنين بخطر أولئك الإرهابيين، إزالة شيء من الغشاوة التي أعمت الأبصار، ذلك أننا نرى أنّ ما بُذل في هذا السبيل منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى يومنا هذا ليس كافياً للتوعية المجتمعية بأخطار هذا الفكر، ولابدّ من نهج جديد تسلكه الجهات المعنية يتناسب والتطور النوعي في سلوك الإرهابيين وخططهم، توعية يجب أن يتولاها جمع كبير من أطياف المجتمع، كلٌ في مجاله وألا تُقصر على فئة واحدة ! - ظهرت دعوات من بعض المتحمسين من الدعاة وغيرهم بأن فعلة الإرهابي الفاشلة استغلها ( من يصرون على تسميتهم العلمانيين ودعاة التغريب ) للتحريض على الأعمال الخيريّة وحلقات تحفيظ القرآن والمناهج التعليمية والمراكز الصيفية ! وهذه الدعوات استمرار للسياسة التي انتهجها بعضهم وأصروا على مواصلة السير فيها إلى ما لا نهاية، وإن كان ثمة رد على ذلك فهو أمران الأول : ألم تكشف الأحداث الأخيرة عن تورط أحد القائمين على العمل الخيري في دعم الإرهاب ؟ فلماذا تريدون أن نغمض أعيننا عنهم فلا نتحدث عن أهمية مراقبة العمل الخيري مراقبة صارمة حتى لا تذهب أموال الصدقات لقتل الناس بدلا من الإحسان إليهم ؟ الأمر الثاني : ألم نسارع جميعًا أقصد كل الأطياف ( لا أريد أن أصنف كما اعتاد بعضهم ) إلى إدانة ما قام به الشاب المفاخر بعلاقاته ؟ فلماذا يتجاهلون ذلك ويذكرون فقط رفضنا استغلال بعض تلك الأنشطة والمناهج لدعم الإرهابيين أو تسويغ إرهابهم ؟ إنّ المواطنة الحقة تفرض على المواطنين كافة خصوصاً من هم في مواقع التأثير كالكتاب والمعلمين والخطباء وأئمة المساجد ورجال الإعلام كافة، بألا يكونوا انتقائيين يأخذون من القضايا ما يوافق أهواءهم ويتناغم وتوجهاتهم، نعم إن كان ثمة موقف للمثقفين والكتاب التنويريين في هذا الصدد أي التحذير من استغلال الأنشطة الدينية، فهو المطالبة بتغيير الخطط وأسلوب معالجة التطرف الذي راهن بعضهم على نجاحه فلم يحقق نجاحاً يستأصل شأفة الإرهابيين والمحرضين والمنظرين والممولين ؛ فبلادنا ما زالت حبلى بخلايا نائمة لم يساهم أحد - ممن يحرض على الكتاب والمثقفين- مع رجال الأمن في جهودهم للإيقاع بها، فمازلنا نسمع نغمات التبرير وغض الطرف والتعاطف من بعض من لهم تأثير قوي على فكر التشدد والتطرف ! لذا فإنه يحق لكل مواطن، ولكل أم ثكلى وأب مكلوم أن يتساءل قائلا ً أين كنتم وماذا فعلتم للقضاء على هذا الفكر الذي نما وترعرع بمباركة بعضكم ؟ هل نلوم أولئك الإرهابيين الصغار وحدهم ؟ أم نلوم من رعى تطرفهم وغرس فكر التشدد فيهم، ومن رأوا المحرضين والمنظرين يزرعون فكرهم الخبيث في عقول شباب هذا الوطن فغضوا الطرف عنهم إما خوفاً منهم أو تواطؤاً معهم ؟ وجاءوا الآن رافعين راية البراءة والشجب لهذا الفكر النتن ؟ - هنالك أشخاص لم نسمع لهم صوتا من قبل انبروا لإدانة ما فعله الإرهابي، فأين كانوا قبل ذلك ؟ ولماذا لم يسارعوا إلى إدانة حوادث ارتكبها متطرفون في الوطن، تدل في مجملها على كونها نتاجاً للتطرف والشحن الذهني ؛ كالاعتراض على فعاليات ثقافية في معرض الكتاب وكلية اليمامة واحتفالات الأعياد، وحرق خيمة نادي الجوف احتجاجا على مشاركة سيدة، هذه كلها مؤشرات على فكر متشدد يحمل في طياته كره المخالفين لما يعتقده صواباً، ومثله استغلال بعض المنابر لتكفير المخالفين وهدر دمائهم وتحريض المسؤولين عليهم، ناهيك عن رميهم بخيانة الوطن !! في كل تلك الوقائع لماذا لم نسمع أصوات أولئك شاجبة ومحذرة من الغلو والتكفير وداعية للوحدة الوطنية ؟ فلماذا صمتوا إبان تلك الأحداث صمت الحملان واليوم يعلنونها صرخة مدوية بعد أن بلغ سيل الإرهاب الزبى ؟ فأين كنتم وهل ستستمرون فيما أقدمتم عليه الآن، أم ستصمتون بعد أيام لتعاودوا بياتكم الشتوي ؟؟؟ أخيرا هلا استفدنا من التغير النوعي في أسلوب الإرهابيين ( من تفخيخ العقول إلى تفخيخ الأجساد ) فنعمل على اجتراح آليات جديدة تناسب تطوره وما يرمي إليه مستقبلا، لا سيما السياسات المتساهلة معهم التي أثبتت الأحداث الأخيرة أنهم ليسوا أهلا لها ولا يستحقونها بسبب ما انطوت عليه نفوسهم من غدر ؟ وهلا جُددت دماء لجان المناصحة - في حال استمر العمل بها – فيفسح المجال لمشاركة آخرين من توجهات وتخصصات مختلفة من المجتمع الأكاديمي والثقافي !