المكالمة الهاتفية التي جرت بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف والشخص الإرهابي المنتحر، لم تكن المرة الأولى التي يعبر فيها سمو الأمير عن التوجه الإنساني الذي كان يبعث الطمأنينة في قلب من أراد تسليم نفسه واستلام جادة الصواب. لقد وعد الأمير ووفى بوعده مئات المرات في اتصالات مشابهة مع من عبروا عن عزمهم على التوبة وكانوا صادقين. وهذه بعض ملاحظاتي على الحديث الذي نقلت جزءا منه. أولا: لو سقطت كلمات الأمير على مسامع لم يبطن صاحبها غير ما أظهر لشكر الله وامتلأت نفسه حبورا وطمأنينة، وازداد ثقة بصحة قرار الرجوع إلى الحق. ولكن النوايا المبيتة تصم السمع وتعمي البصيرة، "والنية مطية"، وسيأتي تفصيل ذلك لا حقاً. أقول سيكون لكلمات الأمير هذا الأثر لأن مفاتيح حديثه وردوده نمت عن وعي عميق بالحالة النفسية، الذهنية والعاطفية، التي يكون فيها الأشخاص في مثل هذا الموقف، وهذا أحد أهم شروط المقابلة النفسية العيادية (Empathic listening). ولكن أنا لمريض الشفاء وهو ليس لديه دافع أولي للشفاء، حتى ولو اجتمع له أمهر المعالجين. ثانياً: لقد اتسمت كلمات الأمير بدرجة عالية من التلقائية ذات النكهة المحلية المحبوبة التي تكسر أي حواجز نفسية قد تنشأ بين من هو مثله وبين من هو عازم بصدق على الرجوع إلى الحق، بحيث لو كان في نفسه شيء من التردد لرجحت كفة الرجوع إلى الحق على كفة النكوص عنه. ولكن أنى لمن غسل دماغه بأسوأ أنواع محاليل التبييض أن يستبصر ويبصر واقع الحال الذي هو فيه، والخير الذي يدعوه إليه من هو قادر على فعله؟ ثالثاً: لقد ازداد أسف من أسف قبل سماعه لهذه المقابلة أضعافاً مضاعفة على أن يحدث هذا من أحد أبناء هذا الوطن ومع أحد أركان أمنه. وأجزم أن غضب من غضب ازداد أضعافاً مضاعفة على مرتكب هذا الفعل الشنيع، وبالطريقة الشنيعة التي تم بها. ففي مقابل هذا الزخم الإنساني الذي جرى في كلمات وصوت الأمير كان الإرهابي يكمن غدر الثعالب وفحيح الحيايا وراء كلمات مضمخة بالنفاق العاجز. رابعاً: أجزم أن من استمع لهذه المكالمة، ممن لديهم شيء يسير من النية على الرجوع إلى دولتهم وإعلان توبتهم، سيزداد عزمهم قوة على ما نووا القيام به. وهذا نتيجة مباشرة لطريقة حديث الأمير الذي اتسم بمصداقية عالية وحميمية تتسلل إلى نفس من يستمع له، واستوفى جميع شروط التأثير النفسي الإيجابي، ولكن كما أشرت سابقاً، فإن هذا التأثير لا يجدي مع من يبطن غير ما يظهر، تماماً كما هو حال المريض الذي لا دافع لديه إطلاقا إلى التغير أو العلاج والشفاء، فهذا لو اجتمع له أمهر المعالجين لما استطاعوا مساعدته. أخيراً وليس آخراً، إن من سمع هذا الحديث، ولم يعلم ما حدث بعده، ستزداد ثقته في خيرية الجنس البشري، ولكن صدمته ستكون كبيرة عندما يعلم ما علمناه من أحداث لاحقة لهذا الحديث. عندها سيرى نقيضين صارخين في التناقض، أحدهما يمثل ما يدعونا إلى الفخر والاعتزاز ببشريتنا بشكل عام وبسعوديتنا على وجه الخصوص، والآخر لا يدعونا إلا إلى الخجل وإلى اليأس لو لم نكن مؤمنين بالله وبذكره الذي أعلمنا بديمومة صراع الخير والشر. فإلى الأمام في طريق الخير يا أسرة الخير. قسم علم النفس – جامعة الملك سعود