قبل أيام كان لي لقاء ودي وشخصي مع أحد أبرز المستثمرين في قطاعه , وهو من يستثمر في قطاع يحتاج الكثير من الموظفين أي نتحدث عن مئات الوظائف , وحين تسآلت عن عدد السعوديين لديه ذكر لي أنهم ما يقارب 40% فقط, ورغم أن قطاعه لا يحتاج الكثير من المهارات المعقدة أو التخصص النادر , إلا أن نسبة السعودة من وجهة نظري متدنية مقارنة بغيرة من نفس النشاط يصل نسبة السعودة بها 90% أو أكثر , وحين سألت رجل الأعمال عن السبب تفاجئت بقوله إنها "ثقافة مجتمع" ووضع أن السبب هم أنفسهم "المواطن السعودي" لا يريد أن يعمل بالقطاع الخاص وأنه يفضل القطاع الحكومي , وحين سألت هذا المستثمر عن الرواتب والمزايا عدد لي المزايا التي يمنحها (وأفترض المصداقية لديه) كشركة وأنها أفضل من القطاع الحكومي بشكل واضح فلديهم تأمين طبي وبدل سكن وراتب أساسي أفضل وهذا ما لا يتوفر في القطاع الحكومي. من كل هذه الصورة التي رأيت يتبادر لذهني هل فعلا المواطن السعودي يذهب للقطاع الخاص لكي يكون محطة له للانتقال بعدها للوظيفة الحكومية؟ والسؤال الأهم هل يرى المواطن أن الوظيفة الحكومية أفضل وأكثر أمنا من الوظيفة بالقطاع الخاص؟ وهنا لا أعمم على كل المواطنين بالطبع فهناك ناجحون وبارزون بالقطاع الخاص, ولكن نتحدث عن شريحة كبيرة وموجودة. مقتنع تماما أن من يملك العلم والمهارة والهدف والطموح سيكون مجال العمل بالقطاع الخاص أفضل من الحكومي بكثير إن كان القياس ماديا أو حتى في نطاق إطلاق القدرات والإمكانيات للموظف, فالطبيب مثلا في القطاع الحكومي لا يجد التقدير المادي والإمكانيات كما هو القطاع الخاص , والإعلامي , والمحاضر , والمهندس , وغيرها من الوظائف , ليس صحيحا أن الوظيفة الحكومية أفضل , لأن الوظيفة الحكومية لديهم سلم وظيفي يتوقف عند حد معين فلا يميز بين مبدع وصاحب مهارة فكلهم سواسية أو " صابون " كما يقول المثل. بعكس القطاع الخاص الذي يقيم ويدفع لسلم وظيفي أفضل وسعر الموظف يرتفع مع كل تميز مثال ذلك كثير كالبنوك مثلا. الوجاهة الاجتماعية والقيمة وغير ذلك نعم هي موجودة في القطاع الحكومي ولكن كم هم الذين سيبرزون ويحصلون على هذه المكانة الاجتماعية من خلال الوظيفة هم قلة القلة. من المهم أن نعيد صياغة وفهم المواطن والمواطنة لدينا وأن يدرك أن الوظيفة الحكومية ليست أكثر أمنا ولا أكثر تميزا ولا أفضل ماديا فهي الحد الأدنى ماديا مقارنة بالقطاع الخاص, وأركز على المتميز ومن يملك العلم والمهارة بالقطاع الخاص, ولكن الأهم هو هل المواطن مستعد لعمل أكثر وجهد أكبر ومثابرة ومحاسبة وتقييم وتحقيق أهداف في القطاع الخاص؟ أم يريد الوظيفة الحكومية لكي لا يعمل ومزيدا من البطالة المقنعة, وأن هذا هو جوهر المشكلة أي الوظيفة والراتب بدون عمل وبما لا يتجاوز ساعة عمل أو ساعتين يوميا على أفضل تقدير وبدون محاسبة أو أي مطالب أو طموح؟