الإنسان الفاسد لايصنع شيئا مستقيما أبدا.. مثلما أن القيم الموضوعية والغايات النبيلة هي مايجعل من الناس آدميين. فالغايات والقيم الأخلاقية كثيرة طالما كانت في نطاق الأفق الفعلي للإنسان وإن لم تكن كذلك فإنها تخرج من إطار العالم الإنساني، والتعارض بين القيم لدينا كبشر ناجم عن جوهرنا وجوهر الإنسان الفاسد. انتقل قمع الإنسان واستلابه من الداخل إلى الخارج، إذ أصبح لمفهوم الاستلاب شكلا اجتماعيا وتاريخيا مختلفا، وهنا ظهر الإنسان ذو البعد الواحد حسب ماركيوز والذي شكل بواسطة ثقافة البعد الواحد فظهر "المستلب والمُستلب" بإرهاصاتهما المختلفة ، ومنها الاستلاب الأخلاقي، والاجتماعي، والفكري.. ومنذ بدء الخليقة والصراع مستمر بين الحرية والاستلاب لأيهما الغلبة. في قصص الكاتب الروسي " اناطولي ألكين " يردد أن كل إنسان يحب أن يظهر جميلا ، وهو يعني بكلمة جميل علاوة على الجمال الجسدي والسلوكي الجمال الأخلاقي وهو ما يعني أن كل إنسان يرغب في أن يظهر مطابقا لمقاييس الذات المثالية في المجتمع وهنا يحدث " الاستلاب الاجتماعي بتمثل "القناع". بعد ذلك يأتي القناع الطبقي حيث يجد الإنسان المتلبس لهذا القناع أن لا حدود للخجل من الذات الطبقية الحقيقية فهو يمتد ليشمل " الاسم ، والقبيلة ، مرورا بالملابس والسمات الوراثية والسلوكية التي على الرغم من انحسار هذا القناع الطبقي التراتبي انحسارا نسبيا إلا انه لازال يعمل بفاعلية في المجتمعات أينما وجدت. يعمل القناع الطبقي بفاعلية برغم المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ويتجدد بأشكال متعددة ، ويسري في عمق المجتمع من خلال مبدأ ثنائية " الحسب والنسب " مما يدفع بالطرف الأقل ضمن هذه المعادلة إلى أن يفقد توازنه النفسي والاجتماعي والوقوع في " الأزمة الاستلابية ". يخلق المجتمع وعبر سلمه التراتبي أهم أقنعته ولعل أحد أهم هذه الأقنعة أيضا "القناع التغلبي" هذا القناع هو أحد اختراعات المجتمع فهو يخلقه ومن ثم يعززه وبه يحدث الاستلاب الأخلاقي، ويتمثل القناع التغلبي في أشكال عديدة وبصورة أساسية في ثنائية "الغالب والمغلوب"ويختلف من حالة فردية / جماعية إلى أخرى. ويتجلى بصورة أكبر في ثنائية " الرئيس والمرؤوسين " إذ أنه وباعتبار الرئيس في جماعة ما هو " المُنظم " نجده يقوم بإسناد وتوجيه هذه الجماعة من خلال مكتسباته الأخلاقية والإنسانية إن اعتدلت أنصف ،إن نقصت أجحف بإجبارهم على القيام بأعمال معينة تجعلهم مستلبين إنسانيا ومصدرا خصبا لتصدير الاستلاب إلى المجتمع في دائرة من العنف غير المنتهي. عندما تخفق "الذات المستلبة" في امتلاك حضورها الحقيقي وتجبر على عيش ماليس حقيقتها تصاب بما يعرف، بالأزمة الاستلابية وهي تظهر بوضوح عندما ينقاد الإنسان لكافة المنظومات الاستلابية. إن مثل هؤلاء البشر يعيشون في ظل نظام يقبلونه وهم بالتالي ينصاعون طوعا إلى كل ما يقودهم.