أنت لست مغرماً بالتغيير .. ولا تؤمن بمقولة المراهنة على عدة أحصنة , ولا تعتد بها .. ورغم أنسنة هذه العبارة ، وانتشارها ، واعتبارها الحل لدى الكثيرين مما تعرفهم إلا أنها ظلت عبارة معلقة بالنسبة لك . أحدهم قال لك ذات يوم إن الأيام تتسارع وأنت لا تزال تقف على منصة ذلك التاريخ العتيق الذي استعمرتك صفحاته ، وقرأتها بشيء من العاطفة ، بل كل العاطفة !!!. غادرت الوجوه ، وبقي تاريخك أنت يقيم في كل الزوايا التي تختص بك ، ... بقيت أيامه تعربش فوق رفوف داخلك دون أن تتحدد قناعاتك بأنك تفقد الأعزاء بمغادرتهم وهم لا يزالون أحياء . ثمة حد أدنى من الوعي لديك لا تزال تقفل عليه بالضبة والمفتاح لكل الأزمنة الجميلة التي غادرت ، والتي ستظل تكتسب شرعيتها من صفات وروعة من عاشوا بها ، أو احتضنوا أيامها . أيام تسلم إرثها لأيام ... تفيض الغائبة بالحب أحياناً وتزرع الحاضرة الحياة أحياناً أخرى . ميزة الأيام أن إرثها مستمر ولا يمكن تحويله إلى حالة غيابية من الصعب الإمساك بها . من ليس مغرماً بالتغيير .. ما أقسى أيام التغيّر عليه وما أصعب مفرداتها وبالذات عندما تتعلق بحالة غياب كاملة ، وبعثرة لأوراق نخبوية أقمت معها في غالب الأيام وحدة اندماجية . ليس التوافق الآسر هو من يمنع التغيير .... وليست الامتحانات القاسية هي من يدفع إلى التغيير.... وليست الأجوبة الصائبة هي الحجر العثرة أمام التغيير القادم والعاصف .... وليست الحيرة هي التي ستمنع هطول الأسئلة عندما تنساب .... وليس التفكير بصوت عال هو الذي يحفظ للأمكنة ملامحها ويمنعنا من مشاهدة تبعثرها . ولكن يظل قدر من أدمنوا معرفة معنى الحياة أن يتعايشوا مع المتغيرات ، وأن لا يعتبروا أن القوة هي أن تمنع ما سيأتي وتتصدى له . وقدرهم أيضاً أن تكون هناك لحظات يستوي فيها الزمن المرّ مع الزمن الغائب . وقدرهم أيضاً أن يستقبلوا التغيير بتخيّل ما سيأتي وليس بشراسة من يتعرض لهجوم قاس . ولكن في غياب الإيمان بالتغيير الذي هو في المحصلة سنة الحياة وفي غياب الارتكاز على الايمان بالذات , وتكريس التعايش الداخلي دون إلقاء نظرة على ما يجري يجعل من الصعب تقبل هذا التغير , أو هذا التغيير المفاجئ أحياناً وهو الكارثة . أوالتغيير المتدرج والذي يفترض أن يكون الاستعداد له قد كان كافياً .. عليك أن تعيد اكتشاف نفسك عندما يداهمك التغيير ، وأن تعتمد عليها أكثر من الآخرين ، فليس هناك أحد مهما اعتقدت بقربه منك يستوعب ما تشعر به سواء من الرضا أو الرفض . فالإحساس عامة لدى كل منا مهما اختلفت ثقافاتنا يظل إحساساً نخبوياً سواء كان هذا الإحساس إحساسا بإشكالية حزن ، أو حب ، أو رفض ، أو فرح ، ولا تعرف عادة أغلب الأحاسيس لدى من لا يألفون التغيير المفاجئ حدود الوسطية ، بل قد يعتقدون أن هذا التغيير لا يخرج عن إطار انتهازية مشاعر الآخر وتجذير الوجع داخلها .