عندما تم غزو العراق من قبل أمريكا وقوات دولية أخرى، كان الهدف أكبر من احتلال بلد ما، وإنما الهيمنة على مصادر النفط الذي بدأ ميدان المنافسات الخطرة عليه في هذا القرن حتى إن إعادة خرائط المنطقة ظلت جزءاً من الاحتلال، والاحتواء، وقبل أن تكون الصين والهند ودول آسيا الصاعدة، ومعها البرازيل قوى جديدة ومستهلكة لتحرم أمريكا من أهم مصادر قوتها وعمود سيطرتها الاقتصادية والعسكرية.. أمريكا تعلمت الدرس من أن نتائج الغزو قاتلة، وهي الآن ترحل عن العراق وتحاول أو تفضل الحوار مع كوريا الشمالية وإيران على الدخول بأزمات تؤدي إلى حروب غير مضمونة النتائج، وهي صيغة جديدة لسياسة أوباما والذي يبدو أنه وجد قوة بلده تكمن في تهدئة العالم لا إثارته، وفقاً لمعادلات الرئيس بوش الابن الذي كاد أن يجعل الدولة العظمى تحال للتقاعد عن مهامها بسبب رعونة سياسته.. ولأن المنطقة العربية تتماس مع العالم بعلاقات غالباً ما تكون الخاسرة بها، وجدنا الأطماع تتجه للسودان والصومال، باعتبار الأولى مخزوناً هائلاً من الإمكانات الزراعية والثروات الأخرى معدنية ونفطية وحيوانية، وصار تحريك حالات الانفصال بين الأقاليم جزءاً من هدف مبيت، لأن شهوة الصين للاستثمار في البلدان البكر، وخاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، جعل الغرب في حالة استفزاز على مناطق النفوذ التي كانت احتكاراً لهم، والصومال تأتي على نفس الهدف، فأمريكا هربت بعد سحل جنودها، وأثيوبيا التي احتلت أجزاء منه نيابة عن الغرب اضطرت للجلاء، وجاء تواجد القوات الدولية في مكافحة القرصنة هدفاً جعل البحر الأحمر شبه محتل لأنه الممر الأخطر للبضائع العالمية والطاقة وربط القارات الأوروبية، والأفريقية، والآسيوية ببعضها.. ثم تأتي إسرائيل التي تقايض حتى في كلماتها وتصريحات مسؤوليها بتنازلات فادحة، وآخر ما تريد إيقاف الاستيطان مقابل التطبيع العربي الشامل، أي الاعتراف بها وفتح كافة الحدود والأسواق والمنافذ، وهي محقة طالما الوضع العربي بحالة سوء تام، انعكست خلافاتهم على البنية الأساسية للوحدة الفلسطينية، وحتى تصريحات أمريكا ومعها أوروبا بإيقاف احتلال الأراضي الفلسطينية واستمرار التمدد بها، تشعر أنها للاستهلاك السياسي أكثر من المواجهة بضغوط اقتصادية وسياسية لأن الجانب العربي ذاته مستسلم للأمر الواقع، وبالتالي لم يعد لأعضاء الجامعة العربية الدور الذي تلعبه إسرائيل، أو إيران، أو كوريا الشمالية، لأن تلك الدول لديها الروادع التي تخيف بها لأي نوايا تعارض أهدافها في الوقت الذي نجد العرب قيمة اسمية وليست مادية ومعنوية، ولذلك فقدنا الكثير بما في ذلك بعض المبادرات التي جعلتنا مجرد رافض مهزوم..