وزير الخارجية يفتتح الفعالية رفيعة المستوى «الطريق إلى الرياض» بنيويورك    الجبير يلتقي رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال 79    حزبٌ مهزوم.. وقائدٌ عاجز    مواليد هذه الأشهر مختلفون أبرزهم كريستيانو وسيمون    ردع العابثين    فعاليات جمعية الثقافة والفنون بالدمام باليوم الوطني تستقطب 30 ألف زائر    إدارة تعليم عنيزة تحتفل باليوم الوطني 94 بحضور محافظ عنيزة    لتجذب الآخرين.. احفظ هذه الخمس    5 أمور تجعل تنظيف الأسنان أساساً    صدمة..حمية الكيتو تهددك بالسكري!    قصر النظر وباء يتطلب استجابة عاجلة    "كفالة" يكرّم هيئة الترفيه لدورها في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في قطاع الترفيه    محافظ الزلفي يرعى احتفال إدارة التعليم باليوم الوطني 94    احتفالية اليوم الوطني ال94 لذوي الإعاقة في عسير تجمع الإبداع والتعاون المجتمعي    أمير القصيم دعم رجال الأعمال يعكس وعيهم في بناء مجتمع معرفي    حزب الله يقر بمقتل قائد وحدة المسيّرات محمد سرور    «الصحة اللبنانية»: 92 قتيلا و153 مصابا حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية على جنوبي لبنان خلال 24 ساعة    انطلاق المؤتمر الإقليمي لتحلية المياة "ARWADEX" في ديسمبر المقبل    هيئة المتاحف تطلق معرض "كتابات اليوم للغد" الذي يقدّم فن الصين المعاصر    عرض مسرحي وتكريم مشاركين سعوديين في مهرجان أغادير..    محافظ الزلفي يطلق برنامج نماء وانتماء    نائب وزير المالية يشارك في الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية    قبل لقاء الخلود نزلة معوية تبعد"سافيتش"و"العويس" عن تدريبات الهلال    ضمن تصفيات كأس آسيا .. الأخضر الشاب يواجه "ماكاو"    تجريم فرنسا رمي الطعام بالزبالة    فريق أمل وعمل التابع لجمعية رواد العمل التطوعي في جازان يحتفي باليوم الوطني ال٩٤    مكتب الضمان الاجتماعي في حائل يُقيم دورة "بناء نموذج العمل الحر لمستفيديه"    القبض على مقيم يمني في عسير لنقله (12) مخالفًا لنظام أمن الحدود    شبيهك في العمل.. نعمة أم نقمة؟    المملكة تُقيم مخيمًا للنازحين الفلسطينيين في خان يونس بجنوب غزة    سعود عبدالحميد يشارك في تعادل روما وأتلتيك بيلباو بالدوري الأوروبي    الشريك الرسمي للإتحاد الافريقي لكرة القدم : ايرادات السوبر تتجاوز ال 4 مليون دولار    القادسية يختتم تحضيراته لمواجهة الأهلي    الاتفاق يستعد للتعاون بمران تكتيكي ومناورة    الأفكار التقدمية خطر أم استقرار؟!    عندي لكم خبرين !    دروس البيجر    صوت وصورة!    أعتى تضاريس وأقسى مناخات!    محافظ الخرج ل«التعليم»: جهودكم وعي وطني تشكرون عليها    من البساطة إلى التكاليف!    المملكة تجمع بين التنوع الجغرافي والحجم الهائل    أمير الرياض: إطلاق 'مؤسسة الرياض غير الربحية' تجسيد لحرص القيادة على دعم وتطوير العمل المؤسسي والاجتماعي    الكلية التقنية للبنات بنجران تحتفل باليوم الوطني السعودي    معرض الحرف والأعمال اليدوية يواصل استقباله للزوار حتى الأحد    ولي العهد يُعلن إطلاق مؤسسة الرياض غير الربحية وتشكيل مجلس إدارتها    تعليم مكة يحتفي باليوم الوطني ب " السعودية أرض الحالمين " وأوبريت "أنا وطن"    قطاع ومستشفى بلّحمر يُفعّل حملة "اليوم العالمي للإسعافات الأولية"    العالم يتجمع في الطائف.. مؤتمر دولي للثورة الجينية.. 26 أكتوبر    وزير الخارجية في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن: السعودية ملتزمة بتعزيز العمل الجماعي لتحقيق الأمن والتنمية    الحب والروح    نائب أمير مكة يشهد حفل اليوم الوطني بالإمارة    اكتشاف نوع جديد من القرش «الشبح»    أكد دعم القيادة للعمل الخيري الإسلامي وسرعة الاستجابة.. الربيعة: المملكة تولي اهتماماً كبيراً باللاجئين في العالم لعيشوا بأمان وكرامة    خطبة الجمعة المقبلة تتحدث عن التساهل بالطلاق    نعمة الوطن من جليل المنن، وعطية لا تقدر بثمن    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس مجلس الجمعيات الأهلية بالمنطقة    فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشارك في فعاليات اليوم الوطني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخي الصوفي
نشر في الرياض يوم 28 - 06 - 2009

لازمتني منذ سنوات يفاعي رغبة بالاعتراف كلما غلت نفسي وبلغت أوج قلقها وشعورها بالشقاء، شعرت بالحسد تجاه المتصوفة، وراق لي فترة من الزمن اعتراف المسيحي بين يدي رجل الدين، وأدهشني أولئك البسطاء الأنقياء الذين كلما طلبت منهم شرح مايحملونه بين جوانحهم من أسى، حمدوا الله على الرضى عن النفس والستر وطمأنينة البال.
تمنيت كثيراً لو كنت أملك بعضأ من الصرامة مع نفسي لأقيد كل يوم مايجيش في نفسي. في السابق كنت أستعيض بالشكوى أعقاب الصلوات وفي السجود في لحظات التجلي في العشر الأواخر بين سواري المسجد الحرام، أو في المساجد العتيقة في بريدة، أو معفراً وجهي في رمال صحراء نجد الباردة قبل طلوع الفجر.
وفي السنوات الأخيرة وجدت بعضاً من السلوى في الموسيقى وكثيراً من الحزن في التراتيل الكنسية ليالي الشتاء، وحنيناً دفيناً ممزوجاً بشجو حينما أصغي إلى قراءة المنشاوي وعبد الباسط. ولكن بقي ذلك الشوق العارم إلى شيخ طريقة أبوح إليه وأنثر بين يديه أحزان روحي ملازماً لي.
مرة سأل أحدهم عبدالله الدويش وهو عالم دين توفي دون الأربعين عن قول يعقوب لأبنائه (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)، هل هذا المقام هو أرفع مقامات الصديقين؟ أم أن مقام الإحسان لايقدح به إفصاح العبد الضعيف لمخلوق مثله عما أكنه صدره من أوصاب ؟ فأجاب الشيخ برأي لابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد، يتوسط بين المذهبين. قبل هذا السؤال بسنوات كان الدويش في حلقته الصباحية فالتفت إلى أحدهم وعيناه تدمعان وهو يتمتم مقاطعاً بأن( للقلوب أوصابها وأمراضها وأحزانها)، وبقي بعدها قرابة الشهر مدنفاً ضعيف النفس واهن القوى. منذ فترة طويلة وطيف الشيخ يتراءى لي في منامي.لقد كان أحد متصوفي الحنابلة في العصر الحديث، وقد كانت حياته مع تعاليم الشيخ فهد العبيد نواة تصوف حنبلي نجدي لم يكتب له الازدهار.
توفي عبدالله بن محمد الدويش في الشيحية قبل مغيب شمس يوم الأحد السابع والعشرين من شهر شوال 1408ه عن عمر يناهز السابعة والثلاثين. كانت المرة الأخيرة التي رأيته فيها إثر تدهور صحته بأسبوع تقريباً، صام الستة من شوال في مكة، ثم قام بزيارة أقاربه في الزلفي، وبعد أسبوع من استئناف دروسه في مساجد بريدة ساءت صحته منتصف الشهر. لا أظنه عرفني يومها . انتظرته للسلام عليه وهو خارج من الجامع الكبير في الخبيبية بعد صلاة العصر، رأيته متكئاً على اثنين من الأخوان وبشته الأبيض الرقيق مرتخٍ فوق منكبيه الناحلين، خطوت نحوه فمال علي بجسمه الذاوي وقامته الفارعة وأنا أغالب قصري لأتمكن من تقبيل جبينه، اعتمدت على أطراف أصابعي ولكنني أشفقت عليه وترددت فدخلت بينه وبين بشته، كان بشته يضوع بالبخور، وكانت روحه الأسيفة الناسكة تنثر شذاها في كل ماحولها. كان يتمتم كلمات بصوت لايكاد يسمع ، فاتر العينين لا يكاد يقوى على الوقوف.
أثناء دفنه كان الجبيلي وهو إمام مسجد في الشماس واقفاً مع المشيعين، زلت قدمه فهوى في قبر محفور مجاور للشيخ، بعد ثلاثة أيام كانت تلك الحفرة مرقد الجبيلي. تحدثنا كثيراً عن تلك الحادثة.كانت عبرة وعظة ومصدر تأمل عميق بحكمة الله ومصادفات القدر وجهلنا بما تغيبه الأقدار لنا.
(أنا أخطئ عدد أنفاسي، فلا طاقة لي باقتحام الأسواق) قالها الدويش مرة وأنا أقترح عليه أن يسلك الطريق الأخصر إلى مسجد الحميدي جنوب بريدة بعد أن ينصرف من حلقته في مسجد السكيت في حي الشماس.
وقد أصبح غالبية زملائه الذين رافقوه في فترة الطلب منذ بداية التسعينيات الهجرية حتى أول حلقة عقدها بعدها بخمس سنوات طلاباً له، يحملون له في قلوبهم محبة كبيرة واحتراماً قل أن يمنحوه لأحد. وحين فارقهم إلى الحياة الآخرة انكسرت قلوب بعض طلابه المقربين إليه وتجلى أثر ذلك عميقاً فيهم لسنوات. فالكثيرون كانوا يستلهمون القوة والتماسك من وجوده بينهم. كان شرفاً كبيراً ينافرون به، ومنبع افتخار لجماعتهم الصغيرة المغلقة. وإذا ضاقت عليهم السبل يسلون أنفسهم بأن لديهم كنزهم. لقد كان لهم كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن.
أخبرني أحد شيوخ الإخوان عن لحظات معرفته الأولى بالدويش قال" كنت حاضراً حينما دخل عبدالله الدويش علينا في جامع ابن مساعد بحي الصناعة ونحن في حلقة الشيخ صالح السكيتي بعد الظهر، كان للتو قادماً إلى بريدة من مسقط رأسه الزلفي وكان قد شارف على الثامنة عشرة، ولم يأت إلى السكيتي إلا بعد أن عرض نفسه قبلها على الشيخ صالح الخريصي، ولكنه ربما لم يحسن تقديم نفسه فلم يلتفت إليه. طلب من السكيتي أن يسمح له بسكنى غرفة في مسجده يتفرغ فيها لطلب العلم، نظر إليه السكيتي فرأى شاباً نحيلاً طويل القامة يرتدي غترة بيضاء أبح الصوت خفيضه . أصاب السكيتي الوجوم وتردد ولم يكن يعرفه، فاعتذر له بأنه ليس في مسجده غرفة شاغرة، ثم أحاله على سليمان العناز-الذي أصبح للشيخ بعدها حلقة في مسجده وهو وأبناؤه غدوا من طلاب الدويش- فاعتذر بدوره هو الآخر، وأخيراً استقر به المقام في جامع الفاخرية ضيفاً على محمد الفهد الرشودي لسنوات عديدة.إنني أتذكره بعدها بفترة وهو أكثر الطلاب حظوة وهو يسمع حفظه لسنن النسائي بأسانيدها على الشيخ السكيتي" . يقول الرشودي" بقي عبدالله سنوات في غرفته بمسجدي لايعرف إلا الزيتون وخبز التميز، كأني أراه وهو يحمل الرغيف بين يديه".
قبل ست سنوات توقفت أمام مسجد بني حديثاً على الطريق المؤدي إلى الخبيبية غرب بريدة، وبعد أن انصرف الإمام الشاب عرفته من عينيه، تذكرته طفلاً ابن ثماني سنوات وهو كثير الحركة لايكاد يستقر في حلقة درس والده، وإذا تلصصتَ عليه وسارقته النظر ورأيت كيف يقلب عينيه بكل ماحوله فستصيبك الدهشة ف( الزول زوله والحلايا حلاياه).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.