عربياً نحن على أخطر خطوط النار مع كل دولة لها علاقة بنا إقليمية كانت أو خارجية، حتى إن إسرائيل تعتبرنا جبهة مفتوحة لمصادر معلوماتها التي إن لم تأت من مراكز رصدها في البحر والبر والجو فهي تأتي من جواسيسها الذين اخترقوا تحصيناتنا العربية، وربما الإسلامية، وهذا الانكشاف لمصادر أمننا الداخلي لا يهددنا فقط بحالات التوتر التي قد تصل إلى حد المناوشات العسكرية، وإنما الاستفادة من بيع معلوماتها السرية بالتبادل مع الآخرين، أو صياغة أهدافها في حربها الطويلة معنا.. لا نعتقد أن هناك تعاوناً عربياً بين مراكز المعلومات الاستراتيجية، وإن وجد، تعيقه السياسات الوطنية، أو تمنعه المذاهب الدينية، أو الاختلافات العرقية، لأن هذه التشكيلات داخل مجتمعنا العربي تحتاج إلى حماية، من عدو مستتر، ولعل التقصير في توظيف إمكاناتنا البشرية والمادية، وموقعنا بين تقاطع القارات، واستمرار استهدافنا بالتبشير الأيدلوجي، أو اختراق مجاميعنا الوطنية في خلق صراعات بينها، أو حروب التجسس التي طالت اقتصادنا وأسرارنا العسكرية والأمنية ونشر أفكار عدم التسامح مع الآخر، جعلتنا أدواتٍ للعبة الدولية الكبرى.. في محيطنا وداخل وطننا العربي تحدث مفاجآت لا نجد قراءات نستنتج منها أي مفاجأة مثل غزو العراق للكويت، أو حرب لبنان الطائفية وتعقيدات الأوضاع في المغرب العربي والسودان واليمن وغيرها، وحتى ما حدث في إيران جاء بما يشبه الصدمة للمؤيدين لخطها ، والحيرة لمن يعارضونها، في الوقت الذي نجد دولاً بعيدة، أو قريبة مثل إسرائيل ترقب كل حركة حولنا أو داخلنا، والمشكل هنا لا يتعلق بالأجهزة الأمنية، وإنما بالسفارات ومراكز البحوث في الجامعات ووزارات الخارجية التي بات سفراؤها في العالم مجرد موظفي علاقات عامة، إلا عندما تنشأ مشكلة تستوجب استدعاء السفير أو طرده، بينما الصورة مغايرة لأي مندوب في سفارات الدول الأجنبية، أو من يتعاملون بقطاعات تجارية، أو خبراء ومستشارين، تجدهم يقومون بوظيفة رجل الأمن والمصلحة لبلده يرسلون الأخبار والتقارير والدراسات والمعلومات، في الوقت الذي لا نجد الأجهزة العربية تقوم بدور التنسيق وتبادل المعلومات، لأن هناك قصوراً ذاتياً يُعزى لندرة كسب المعلومة أو تحليلها والاستفادة منها، حتى إننا لا نجد الاختصاصيين الذين يكتسبون المعرفة والخبرة في التنبؤ بالأحداث ويقدمون التحاليل ذات المضامين الاستنتاجية، أو حتى الاستقرائية.. لقد نشأت مدارس التجسس منذ بدايات حروب الإنسان الأولى، وتطورت مع التقنيات المعاصرة لتعطي الفرصة لأن تملك الدول الصغيرة ما يؤمن لها سياجاً أمنياً إذا عرفت كيف تستفيد من قدراتها البشرية والمادية، وهذا الأمر غائب عن الاهتمامات العربية وسلطاتها، إلا فيما يتعلق بمخاوف الداخل، والتي صبت نشاطها في متابعة المعارضين وأصحاب الفكر المناهض مع أن مراكز الإرهاب وتناميها حدثت عربياً قبل تعميمها عالمياً، ولم يكن أحد يدرك كيف نمت وعشّشت تلك العناصر داخل مراكز الحصانة الأمنية العربية واختراقها.. حرب المعلومات صارت جزءاً من أمن وطني وقومي وعندما ندرك جدوى هذه الهندسة وتقنياتها فإننا نستطيع حماية مراكز عصب أمننا، أو نستسلم للخسارة الخطرة..