يوسف الكويليت - الرياض السعودية مسائل التجسس هي من أقدم المهن العسكرية ثم التجارية، فالعلمية لكشف خبايا أمنية أو أسرار منتج ما، أو كشف علمي يتصل بأي تطور صناعي أو زراعي، غير أن مهنة التجسس الآن أخذت مسارات مختلفة عن الماضي وخاصة في الدول التي لديها كشوفات متطورة قادرة على الرصد وجمع المعلومات وتحليلها، وفي منطقتنا كلها ربما لا يوجد من يضارع إسرائيل ، ويأتي كأحد أسباب نجاحها أنها ترتبط بتبادل المعلومات مع أمريكا وأوروبا الضالعتين في التجارب والتحديث المستمرين لأجهزتهما، ونفاذهما لأي أسرار عالمية.. إيران دخلت على الخط بكشف خلية الكويت من خلال شبكة ربما جاءت كبداية لاختراق أمني من قبل عناصر لم تكشف التحقيقات عن الغايات ونوعية الأشخاص وأهدافهم، ومع ذلك فالقضية تخرج عن إطار التجسس بين عدوين إلى خيار متهور، لأن التواجد الأمريكي في الكويت جاء لخدمة مصالح استراتيجية تفوق ما تتصوره إيران، وحتى مجازفتها بإرسال طائرتين تحومان فوق الأسطول الأمريكي في الخليج تعتبر استفزازاً قد يجر معه مخاطر تتجاوز اللعب بالنار وبالأساليب التي انتهت مع عصر الانقلابات والتهديدات واستعارة أقوال «ماوتسي تونج» الشهيرة بالقول «سنجعل من جماجمهم منافض لسجائرنا» عندما كان يقصد المعسكر الغربي، وقد أُخذت تلك الكلمات عربياً ومن دول تركض خلف الشعارات مستنداً للقوة والعزيمة والتحدي، وإيران تعيش مرحلة الخمسينيات والستينيات التي تخلت عنها أكبر قواعد التطرف الأيدلوجي مثل ألبانيا وكوبا، ولم يبق من تلك السلسلة إلا كوريا الشمالية، والتي في طريقها إما أن تتعافى أو تبقى في كهف أيدلوجيتها قابعة تصارع طواحين أعدائها الوهميين. الكويت ليست الجوار السيئ لإيران، بل ظلت تتحاشى أي احتكاك معها، وهي طبيعة السياسة الواعية، لكن إذا اعتقد نجاد وحرسه الثوري أن مشروعية انتهاك سيادة بلد أو مشروع ما بناء على فارسية الخليج، فقد جرب صدام حسين الحرب مع هذا البلد، وأُخرج بقانون مصالح القوى، وإيران تخطئ إذا اعتقدت أن الكويت سلسلة الظهر الضعيفة، وحتى لو جاء التحدي للقوة الأمريكية، فالمجابهة غير متكافئة لا على المستوى العسكري، ولا الأمني، والدليل أن تهريب عالم ذرة كبير، واختفاء آخر في ظروف مجهولة، يؤكدان أن هناك اختراقاً مقابلاً داخل قلاع إيران الحصينة توصلت إليه أمريكا وإسرائيل معاً.. أما إذا كانت الغاية زعزعة أمن الكويت من خلال من يوالون إيران فالطرق، إليها ممكنة بإثارة العديد ممن يواجهون ضغوطها، سواء كانوا عرباً، أو مسلمين سنّة، أو أقليات أخرى تعيش حالة تمييز، وفصل طائفي وقومي، فاستثمار هؤلاء في أي عمل ضد إيران يمكن جعلهم أسلحة مضادة، وهذا بالتأكيد لا ينفع أي دولة تطل على الخليج أن تتخذ هذا السلوك، لكن إيران ربما تدفع الدول الخليجية وغيرها إلى استخدام وسائلها الدفاعية بالتوجه الذي تريده، ومع ذلك فمن العقل أن لا تطغى الغرائز على العقل وإلا دخلنا معارك سرية وعلنية قد لا تحصر أضرارها في محيط دولة ما، بل تأتي الخسائر مضاعَفة للجميع..