أحد أهم مداميك نهضة الشعوب، وسر تألقها، وتكريس فعلها التنويري والحضاري والفكري، وإطلالتها على حضارات وثقافات الشعوب الأخرى، وتمازجها، وتلاقحها، هو الفن بوصفه لغة عالمية يمكن أن تتفاعل معها الأعراق، والثقافات، واللغات، والمفاهيم، والأجناس دون صعوبة، أو ربما بوعي لا يتوفر مع أجناس الفكر والإبداع الأخرى. الفن لغة إيصال حقيقي. ووسيلة فهم وغوص في وعي وحضارة وثقافة الشعوب الأخرى، ونمط معرفة واعية، وتقارب روحي وسلوكي مع إنسان آخر. قد يذهب مبدع من جازان، أو الثقبة، أو الهفوف، ويعرض لوحته التي أبدعتها ريشته في ميدان البيكاديللي، أو شارع البرودواي، أو الشانزليزيه فيتفاعل مع ألوانها، وخطوطها، وانحناءات ظلالها من لديه القدرة والتفاعل مع لغة الألوان والخطوط من شتى الأجناس، والأعراق، والثقافات بحيث تتحول لغة اللوحة إلى فهم وتواصل وقراءة جيدة لفكر ووعي ومناخات من أنتج اللوحة ، وبالتالي ينتج عن هذا التواصل المعرفي تقارب حقيقي، وتواصل حب، وتصالح، وتقارب أهداف، وغايات، ورؤى من أجل الإنسان في هذا الكون ، وصياغة وعيه. قد يتفاعل غجريّ من أسبانيا، أو فنان من البربر في شمال أفريقيا لا يتكلم إلا الأمازيغية، ولا يفهم بدونها، ولا يتعامل إلا من خلال مفرداتها، مع أغنية «يا سارية خبريني» أو «لا، لا، يا لخيزرانة» أو «حبيبي في روابي شهار» ويدندن إحدى هذه الأغنيات، ويرفع صوته بكلماتها كما لو أنه ابن لغتها، وبيئتها، وثقافتها، وأنماط حياة إنسانها، وإيحاءات الأمكنة والتضاريس التي تجسدها أفكار الأغنية ، ومضامين تجلياتها، وأحزانها، وأفراحها، وذكرياتها. يتفاعل هذا الغجريّ مع تلك الأغاني، ويذوب وجداً، وربما يحترق مع النغم والكلمة ويغني من أعماقه في حالة تواصل وإيصال، وتفاعل، وإذا أردت أن تناقشه، أو تجسّر معه حالة فهم بالحديث وجدته لا يتكلم إلا لغته لكن الفن أوجد هذه المساحة، وذاك الفضاء الإنساني من التواصل، والحب، والخلق، والإبداع. إذن: الموسيقى، والفن التشكيلي من رسم، وزخرفة، وإبداع مجسمات جمالية، ونحت، ولوحات تعبيرية هي لغة عالمية تفتح آفاقاً من الفهم، والتقارب بين الشعوب، وتنتج معرفة قوية في علائق الإنسان بالآخر. وهي فعل تجسيد ثقافة، وحضارة، ومعرفة، فلماذا لا نتعامل مع الموسيقى، والإطراب كمنتج ثقافي، وحضاري هو هوية لنا بين الشعوب، وتأصيل لثقافتنا الفنية، والإبداعية؟