يشغل موضوع توطين الوظائف (السعودة) في القطاع الخاص حيزاً كبيراً من اهتمام المسؤولين والمواطنين ونرى بين الفينة والأخرى تجاذب الآراء حول هذا الموضوع ومحاولة الزج به في مرمى جهة ما كونها المسؤولة عن توظيف الشباب العاطل والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن الموضوع له عدة أبعاد ويدخل في سلسلة من الدوائر المترابطة بدءاً من ثقافة المجتمع ومروراً بعدة وزارات مثل وزارة العمل، ووزارة الداخلية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة الخدمة المدنية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة والإعلام، ووزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار، ثم القطاع الخاص نفسه ولا أظن أنه بمقدور أي من هذه الجهات العمل بمعزل عن الجهات الأخرى على حل المشكلة القائمة المتمثلة في ضعف توطين الوظائف من خلال برامج السعودة القائمة حالياً التي تتقدم خطوة وتتراجع إلى الوراء خطوتين. والملاحظ على برامج السعودة بشكل عام هشاشتها وعدم ترابطها مع ضعف آليات تطبيقها، والدليل على ذلك أن أياً من هذه البرامج يبدأ بشكل جيد وعندما تضعف الرقابة عليه لأي سبب فإن هذا البرنامج يبدأ في الانحدار مما يسبب انتكاسة لبرامج السعودة والأمثلة الحية كثيرة منها على سبيل المثال اسواق الخضار والفواكه التي بدأت في بداية تطبيق سعودتها تعج بالسعوديين الذين يزاولون تلك المهنة ومثلها أيضاً أسواق الذهب والمكاتب العقارية التي ما لبثت العمالة الوافدة في الانقضاض والاستحواذ على الجزء الأكبر منها إن لم نقل كامل تلك الأنشطة وهذا واضح في أسواق مدننا بشكل عام.. إنني من واقع معايشتي لهذه التجربة أرى أننا نسير في توجه ينقصه الشيء الكثير من العمق الاستراتيجي اضافة الى هشاشة وأحادية التنظيمات التي تعالج بها برامج السعودة، فاستقدام العمالة لازال في ارتفاع ملحوظ حسب تصريحات معالي نائب وزير العمل حيث بلغ عدد التأشيرات لعام 2007م 1.7 مليون تأشيرة ويبلغ عدد المقيمين في السعودية 8.55 مليون شخص في حين أن معدل البطالة لا يزال في حدود 9.8٪ (جريدة الحياة. الخميس 12 فبراير 2009م). ولعله من المناسب أن أقدم بعض الاقتراحات التي أرجو أن تساهم في حل مشاكل توطين الوظائف في المملكة وهي كالتالي: 1- إنشاء هيئة عليا تسمى (الهيئة العليا لتوطين الوظائف) تعنى بتوطين الوظائف وترتبط مباشرة بالمقام السامي الكريم ويتكون مجلس ادارتها من وزراء الوزارات المشار اليها في صدر هذا المقال بالإضافة الى ممثلين عن القطاع الخاص. 2- تقوم الهيئة بوضع استراتيجية وطنية لتوطين الوظائف يشارك فيها خبراء في مجال التخطيط والادارة والاقتصاد والموارد البشرية وعلم النفس وعلم الاجتماع وتكون هذه الاستراتيجية شاملة بحيث تأخذ في الحسبان جميع المستجدات على الساحة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ونحو ذلك.. 3- يجب أن لا تكون هذه الاستراتيجية بمثابة ترميم لخطط توطين الوظائف (السعودة) القائمة حاليا لهشاشتها - كما أسلفت - ولعدم ربطها بخطة موحدة على مستوى الوطن وانما يجب أن يبنى لهذه الاستراتيجية خطط جديدة وطموحة. 4- يجب أن تأخذ هذه الاستراتيجية في اعتبارها تجارب الدول المتقدمة في توطين الوظائف ومعالجة البطالة كالولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا والصين واليابان ونحوها.. 5- تقوم الهيئة العليا لتوطين الوظائف بمباشرة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية بعد اقرارها والاشراف عليها ومتابعة تطبيقها مع الجهات المختصة والرفع للمقام السامي بشكل دوري عن انجازاتها والعقبات والصعاب التي تعترض عملها. أرجو أن يكون في هذا الاقتراح حلاً لمعالجة مشكلة البطالة وقضايا السعودة التي لم تقدم لها حلولاً ناجعة يستفيد منها أبناء الوطن منذ ما يقارب خمسة عشر عاماً بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من الدولة - وفقها الله - في حين أن المملكة تساهم في معالجة قضايا البطالة في الدول التي نستقدم مواطنيها للعمل لدينا. والله من وراء القصد. باحث في اقتصاديات التنمية