إذا أردت أن تقيِّم الشيء يفترض أن يكون لديك معاييرك. في مسابقات الجمال مثلاً( مع أني أحتقرها) تجد أن القضاة متفقون على مجموعة من المعايير (الطول ،الوزن ، عرض البطن ، عرض الصدر..) إلخ. هناك معايير ثابتة لقياس جمال المرأة يتفق عليها الأغلبية في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة و عبر الثقافات، بينما مخترعات الإنسان ، ومن بينها المدن ، تنمو مقاييسها عبر الزمن. تسهم الثقافات والمصالح والعادات في تشكيل هذه المقاييس. تترسخ المقاييس عادة مع الوقت و في زمن الركود. عندما يعزل مجتمع نفسه عن العالم يبدأ في اجترار ما يملك من مقاييس وعادات حتى تصبح مقدسة. لكن المقاييس مهما ترسخت يأتي من يحركها، يطورها، يخرج عليها، يخرجها من سياقها. هذا ما نسميه التطور. تطورت المنازل ووسائل المواصلات والأدوية الخ. التطور يعني أن هناك صلة بين الأصل وبين النتيجة. كان الإنسان يستخدم الدابة في التنقل. استمر الإنسان على هذه الحالة مئات الآلاف من السنين. حصل تطور وتحسن وتغير في أنواع الدواب والعربات الملحقة بها ، حتى جاء ذلك اليوم الذي انقضت فيه الحضارة الغربية على ركود القرون وفجرت مكامن الحركة والزمن فيه. أحدثت تغيراً نوعيا في مفهوم المواصلات.غيرت وسيلة التنقل وغيرت سبب التنقل وغيرت طبيعة التنقل. لا علاقة بين حركة النقل في الأزمنة القديمة وبين التنقل في العصور الحديثة. الشيء الذي عجز عن فهمه العرب أن دبي لم تأتِ لتكون تطوراً أو امتداداً متطوراً لبيروت أو القاهرة أو دمشق أو الرياض. ما بين دبي وبين الحواضر العربية فراق ، تغير في المفهوم ، تغير في سبب الوجود. دبي ليست مدينة. دبي بلورة حضارية متخلية صنعها الإنسان لينظر من خلالها إلى المستقبل. تلسكوب ضخم وضع في نقطة من الكون يفتح على الرؤية البعيدة. الذي يريد أن يعيش في دبي يجب أن تتوفر لديه أسبابا غير مسبوقة للعيش ، أن تتملكه تطلعات ليس لها وجود في سجلات الطموحين في الأزمنة السابقة. الأمن ، النظافة، النظام ، الانضباط هذه بديهيات في دبي. ليست مجالا للحوار أو النقاش. تلك مقاييس المدن في العصور السابقة لبروز دبي. من يناقش مثل هذه البديهيات في دبي؟ الذي يريد أن يعيش في دبي عليه أن يحضر نفسه للعيش في خياله الخلاق. الذي يعيش في دبي لا يشعر بالنمو. يشعر بالسفر. متحرك في اتجاه الزمن.لا معنى فيها لكلمات مثل (تطوير ، تحسين ، ارتقاء ، نمو) هذه أنشطة رائعة ولكنها تخص مدناً ليست دبي. دبي لا تضيف ولا تمد ولا تحسن ولا تطور. دبي عملية خلق مستمرة. لا يمكن أن يعيش في دبي إنسان خامل الخيال. طبيعة عيشك فيها يعني أنك شريك في خلقها. اختراع متدفق. لا علاقة لها بمقاييس المدن الأخرى. دبي إعادة اختراع لمفهوم العيش. حاضرة تنسج مقاييسها بنفسها. من لا يقوى على ذلك يشد أرضه أو يذهب إلى الزمالك أو السوليدير.